صحيح أنّ الفوز الساحق على منتخب رواندا برباعية
نظيفة، لحساب الجولة الأولى من تصفيات كأس العالم 2014، لا يعدّ معيارا
حقيقيا نقيس به قوّة منتخبنا، أو نحكم من خلاله على أحقّيتنا في بلوغ
“مونديال” البرازيل، أو نجزم بأنّنا وصلنا إلى المستوى المطلوب وأنّنا
تمكنا من تكوين المنتخب الذي بحثنا عنه منذ نهاية “مونديال جنوب إفريقيا
2010”، لكنّ الأرقام تثبت أنّنا في الطريق الصحيح مع الناخب البوسني وحيد
حليلوزيتش الذي تمكّن في سادس مباراة له على رأس العارضة الفنية للمنتخب
حليلوزيتش
من قيادته إلى تحقيق الانتصار الخامس له على
التوالي، وهي حصيلة جيّدة للغاية لمنتخبنا. ولن نتحدث في هذا المقام عن
حظوظ منتخبنا في الذهاب بعيدا في هذه التصفيات، بل سنسلّط الضوء على نقطة
مهمة تتمثل في تطبيق اللاعبين تعليمات مدرّبهم بحذافيرها في لقاء رواندا
سهرة أول أمس السبت، فما طالبهم بالقيام به خلال التدريبات طيلة الأسبوع
طبّق بالحرف الواحد، حيث شاهدنا طريقة هجومية محضة منذ إعلان الحكم عن
صافرة الانطلاقة حتى نهاية اللقاء، وشاهدنا تنويع في اللعب بالتوزيع من
الأطراف تارة والتوغل في العمق تارة أخرى، مع تبادل قصير للكرات بين
اللاعبين، ونسوج كروية جميلة كان من الممكن أن تنهي اللقاء بنتيجة ساحقة
لولا الفرص الضائعة.
20 توزيعة حقيقية، 11 من الجهة اليمنى و9 من اليسرىوكان
البوسني طيلة الأسبوع الماضي يطالب لاعبيه بالهجوم خلال فترات اللقاء،
ومرّنهم على التوزيعات من الأطراف، وفعلا أتت تلك التمارين والتعليمات
أكلها لأنّنا خلال 90 دقيقة كاملة، دوّنا ما لا يقلّ عن 20 توزيعة حقيقية
من على الأطراف، 11 منها كانت من على الجهة اليمنى، و9 من على الجهة
اليسرى. وهي أرقام كبيرة صراحة بالنسبة لمنتخبنا الذي كان وفي وقت سابق يجد
صعوبات جمّة في الوصول إلى مرمى المنافسين، وقد سمح هذا القدر من
التوزيعات لمنتخبنا أن يصنع عددا قياسيا من الفرص، كما سمح له بالتسجيل
والحصول على العديد من الركنيات، وإرباك المنافس الذي كان في العديد من
الأحيان يجد صعوبات في التعامل مع تلك التوزيعات العرضية، التي تأتيه من
الجهتين اليمنى واليسرى.
فغولي الأفضل بسبع توزيعات من الجهتين ولفت
عدد من اللاعبين الأنظار بتألقهم في التوزيع من على الجهتين اليمنى
واليسرى، وعلى رأسهم لاعب “فالنسيا” الإسباني سفيان بودبوز الذي قام بما لا
يقل عن 7 توزيعات كاملة، 3 منها من الجهة اليمنى و4 من الجهة اليسرى،
وكانت توزيعاته متقنة نحو الرؤوس، منها من وصلت للاعبين ومنها من وجد لاعبو
المنافسين صعوبات قبل إبعادها إلى الرّكنية. ويبرز هذا الأمر نقطة مهمة
للغاية وهي أن فغولي صال وجال فوق الميدان مثلما شاء، لأنه كان يتحوّل
بسرعة بين الجهتين اليمنى واليسرى، والدليل على ذلك أنه كان وراء 3 توزيعات
من الجهة اليمنى و4 من الجهة اليسرى، وهو ما يؤكّد مجددا أنه مكسب كبير
للمنتخب الوطني الذي ضرب عصفورين بحجر واحد، بتمكنه من الظفر بصانع ألعاب
وهداف حقيقي في آن واحد.
حشود بثلاثة واحدة ناجحة وڤديورة أيضا وخطف
حشّود الأنظار وأكّد من جديد أنه قادر على سدّ الثغرات، التي لطالما عانت
منها الجهة اليمنى من دفاع المنتخب المنتخب، إذ أنّ حشود الذي تمكن من
اجتياز الاختبار الذي خضع له أمام النيجر، أقنع مجددا في أوّل لقاء رسمي له
وساهم في ما لا يقل عن ثلاث توزيعات من على جهته اليمنى، واحدة منها كانت
مثمرة بعدما وضع كرة فوق رأس سوداني الذي تمكن من توقيع الهدف الثّاني لـ
“الخضر”. نفس الشيء بالنسبة لڤديورة الذي لم يكتف بدوره الدفاعي في الوسط،
بل ساهم في اللعب الهجومي، وقام بتوزيعتين من الجهة اليمنى، واحدة منها
كانت ناجحة بعدما وضع هو الآخر الكرة على رأس سليماني الذي وقّع الهدف
الثالث، وهنا لا يمكننا أن نقول سوى إنّ حليلوزيتش كان محقا لما طالب
لاعبيه بأن يكثروا من التوزيعات من على الأطراف، وأنّ تلك الأوامر
والتعليمات طبقت بحذافيرها وأثمرت بهدفين جميلين.
مصباح يثير تساؤلات بسبب قلة توزيعاته وعدم صعوده للهجوموبرز
أيضا بودبوز وقادير بتوزيعتين لكل واحد منهما على الجهة اليمنى، وسوداني
بتوزيعتين، ولحسن بتوزيعة من على الجهة اليسرى، غير أن ما أثار أكثر من
علامة استفهام هو اكتفاء الظهير الأيسر جمال مصباح باللعب في الخلف هذه
المرة، وعدم صعوده كثيرا إلى الهجوم لمساعدة زملائه، حيث لم يتقدم كثيرا
إلى الأمام ولم يتجاوز خط الوسط سوى نادرا، رغم ضعف هجوم المنافس الرواندي.
والدليل على ما نقوله أن مصباح قام بتوزيعتين فقط، واحدة لم تصل لأي مهاجم
وأبعدها المدافع، والثانية وصلت لزميله فغولي الذي ضيع ما لا يضيع، ما عدا
ذلك فإن الظهير الأيسر لـ “آسي ميلان” الإيطالي كان دوره دفاعيا طيلة
فترات اللقاء، وهو ما يثير أكثر من علامة استفهام.
6 مخالفات شكلت كلها خطرا، وبودبوز وفغولي وقادير تداولوا على تنفيذهاولم
يشكّل منتخبنا الخطر على المنافس بالتوزيعات من على الجهتين اليمنى
واليسرى، بل أنه شكل الخطر عليه عبر الكرات الثابتة من الجهتين أيضا،
وسجّلنا 6 مخالفات تحصل عليها المنتخب طيلة المباراة، مخالفتان من الجهة
اليمنى ونفذهما بودبوز، و4 من الجهة اليسرى نفذها كل من فغولي (مخالفتان)
وقادير (مخالفتان)، وذلك وفقا لتعليمات الناخب الوطني. وحتى إن لم تجلب تلك
المخالفات أهدافا لمنتخبنا، إلا أنها شكلت الخطر على مرمى المنافس، بدليل
أن الأولى أبعدها المدافع للركنية، والثانية وجدت رأس بوزيد التي مرت فوق
العارضة، والثالثة رأس ڤديورة التي جانبت إطار المرمى، والرابعة مرت على
قدم فغولي، والخامسة وجدت رأس مجاني الذي تصدى الحارس لها، والسادسة أبعدها
المدافع للركنية التي جاء بعدها على إثرها الهدف الرابع. وما يمكن أن
نؤكده بخصوص هذه النقطة أن المخالفات لم تنفذ بعشوائية، وإنما بدقة والدليل
أنها كلها شكلت خطرا على المنافس.
6 كرات في العمق، استغلّ واحدة منها فغوليونوّع
اللاعبون في طرق اللعب وفقا لما طالبه بهم مدربهم، ولم يعتمدوا على التوغل
والتوزيع من على الأطراف، بل أنهم ومن حين لآخر كانوا يمرّرون في العمق
نحو رأس الحربة جبور وزميله سوداني والبديل سليماني. ومن بين 6 كرات في
العمق جعلت مهاجمينا في وضعيات سانحة للتهديف، استغلت واحدة من بودبوز إلى
فغولي الذي وقع الهدف الأول للمنتخب الوطني، في وقت ضاعت الفرص الأخرى منا
رغم أنّ المهاجمين كانوا في وضعيات سانحة للتّسجيل، نذكر منها الكرة التي
وصلت بودبوز في العمق والتي انفرد فيها بالحارس، وعوض أن يكون أنانيا ويسجل
فضل أن يمررها لسليماني الذي ضيع بطريقة غريبة، بعدما أبعد المدافع كرته
من على خط المرمى، نفس الشيء بالنسبة لتمريرة فغولي نحو جبور في العمق،
والتي أهدرها هذا الأخير بعدما أنقذ مدافع المنافس فريقه في آخر لحظة.
والمهمّ أن حتى أسلوب التمرير في العمق أتى بثماره مثلما أتت التوزيعات
بثمارها، لأن منتخبنا ومن التوزيعات والتمريرات في العمق وقع ثلاثة أهداف.
من 6 ركنيات، قادير رصد رأس سودانيوإن
كانت الكرات الثابتة التي نفذت بواسطة المخالفات من على الجهتين اليمنى
واليسرى، لم تثمر بالأهداف رغم خطورتها، فإن أسلوب الكرات الثابتة عن طريق
الركنيات كان مثمرا، لأن قادير وفي العشر دقائق الأخيرة، وبعدما تكفل
بتنفيذ مخالفتين تمكن من الحصول على ركنية من ست تحصل عليها المنتخب، وكللت
بهدف رابع بعدما وضع الكرة فوق رأس سوداني الذي ارتقى فوق الجميع وسجل
هدفه الثاني في اللقاء. وتجدر الإشارة إلى أنّ فغولي نفذ ثلاث ركنيات،
وبودبوز ركنيتين وقادير الأخيرة وكللت بهدف.
النقطة السلبية أن ڤديورة الوحيد الذي كان يصوّبويمكن
القول إن النقطة السلبية الوحيدة في اللقاء هي قلّة القذفات، فرغم أنّ
البوسني وحيد حليلوزيتش أمر لاعبيه بضرورة التصويب من بعيد، وكان قبيل
نهاية أي حصة تدريبية يجبرهم على التمرّن على التصويب من بعيد، إلا أن عدد
القذفات والمصوّبين كان قليلا في لقاء رواندا. حيث لم نرصد سوى 5 قذفات، 3
منها لڤديورة وواحدة لكل من بودبوز وفغولي، وهو عدد قليل جدّا بالنسبة
لمنتخب تمرّن كثيرا على القذف من قريب أو من بعيد طيلة الأسبوع، ومن المؤكد
أن هذه النقطة سيركز عليها البوسني مع لاعبيه، لدى مشاهدتهم شريط اللقاء
خلال هذا الأسبوع عند استئنافهم التدريبات.
منتخب هجومي كان بإمكانه الفوز بعشرة أهدافويمكن
القول في النهاية إن الخطة الهجومية المحضة التي طبقها حليلوزيتش، ونجاح
اللاعبين في تطبيقها بحذافيرها، جعلنا نشاهد منتخبا جزائريا بثوب هجومي
جديد، منتخب تواجد في منطقة المنافس في العديد من المناسبات، وكان بإمكانه
أن ينهي المباراة بحوالي عشرة أهداف، لا مثلما انتهت عليه المباراة برباعية
نظيفة. لأن الفرص كانت بالجملة فضاع منها ما ضاع بسبب السهولة والتسرع
أحيانا، وسوء الطالع أحيانا أخرى، غير أن منتخبنا تحوّل لآلة هجومية مع
البوسني وتمكن في لقائه السادس حتى الآن معه من تسجيل 13 هدفا وتلقي هدفين
فقط أمام تانزانيا وغامبيا، كما أن هذه الآلة الهجومية القوية حققت أول أمس
خامس انتصار لها على التوالي، بعد الفوز على كل من “إفريقيا الوسطى، تونس،
غامبي، النيجر”، في انتظار ما هو أحلى لاحقا.