حيّرت العلماء لأكثر من ثمانية عقود، لكننا في عام 2010 على موعد مع حل اللغز، إنها المادة المظلمة Dark Matter التي قد تحوّل السنة المقبلة الى أحد أهم تواريخ علم الفيزياء، إن صدقت وعود العلماء بصدد هذه المادة التي يُفترض أنها تُشكّل ثلثي الكون، ففي سلسلة من تقارير هزّت المجتمع العلمي، في الشتاء الحالي أعلن فريق علمي أميركي أنه عثر، للمرة الأولى على ما يعتقد أنه «مادة مُظلمة» مندسة في ثنايا خام الحديد في منجم «سودان» في ولاية منيسوتا، على عمق يقارب الكيلومتر، وحينها صرح البروفسور دان باور، الذي قاد البحث بأن فريقه استخدم مجسّات فائقة الحساسية والتطوّر للعثورعلى جسمين يعتقد انهما ينتميان الى المادة المُظلمة، ويترأس باور مختبر «كريوجينك دارك ماتر سيرش»Cryogenic Dark Matter Search، المتخصص في البحث عن المادة المظلمة في المواد العادية وقدّم باور نتائج بحثه في مؤتمرعقد مطلع الشهر الجاري في ندوة متخصصة نظمها «مختبر فيرمي للمُصادمات» في مقرّه القريب من مدينة شيكاغو.
وسرعان ما تداولت صفحات الـ «بلوغرز» من علماء الفيزياء خبرالإنجاز العلمي لفريق باور، مما زاد في الإثارة التي رافقت الإعلان عنه.
في مُدوّنته الإلكترونية، علّق البروفسور جيري غيلمور، من جامعة كامبردج الإنكليزية، على إنجاز باور، ورأى أنه يمثّل اختراقاً علمياً هائلاً، خصوصاً أن فرقاً كثيرة تبحث عن أدلة عن المادة المُظلمة التي يُعتقد انها الشيء الذي نُسج منه الكون ومكوّناته وقواه كافة، إضافة الى كونها نسيجاً تسبح فيه المجرات والنجوم والكواكب، ويعتقد العلماء أن التعرّف الى هذه المادة يساعد في الإجابة عن أسئلة ما زالت مستعصية من نوع سبب حدوث نشاط مشع في بعض المواد مثل اليورانيوم، بينما لا يحدث ذلك للمجموعة الأكبر من المواد، وكذلك السؤال عن السبب الذي يسير فيه الزمن باتجاه وحيد، بمعنى أنه ينقضي ويسير الى الأمام، والمعلوم أن النقاش عن المادة المُظلمة وقواها انطلق في عام 1933، بفضل أعمال عالم الفضاء السويسري فريتز زويكي.
وحينها، قضّ زويكي مضاجع المجتمع العلمي بالقول ان المجرات البعيدة في أطراف الكون، كانت لتتناثر لولا وجود «مادة ما» تمسك بها وتشد مكوّناتها بعضها الى بعض. ولم يفكر أحد بشيء مُشابه قبل ذلك، واقترح تسميتها المادة المُظلمة، ببساطة لأنها لا تعكس الضوء ولا تمتصه، فلا تراها التلسكوبات وتدريجاً تكوّن انطباع علمي عن هذه المادة مفاده أنها مصنوعة من مُكوّنات تغايرالمادة كما نعرفها كلياً.
وفي عام 2007، نشر عالم الفضاء البريطاني ريتشارد مايسي، الذي يعمل في «معهد كاليفورنيا للتقنية» أول خريطة ثلاثية الأبعاد لانتشار المادة المظلمة كونياً وفي السنة التالية، استطاع تلسكوب الفضاء «هابل» العثور على دليل أول غير مباشرعن وجود المادة المُظلمة.