السودان، تاريخ. السودان دولة عربية يرجع تاريخها إلى ما قبل سبعة آلاف
سنة، حيث كان يسكن بلاد النوبة ـ وهي المنطقة الشمالية من السودان الحالي، وجنوبي
دلتا مصر ـ عنصر واحد من السكان. وكانت لهم ثقافة حامية واحدة. هذه الأمة هي التي
يقال لها: شعب النوبة ماقبل الأُسَر. وكان أولئك السكان يعرفون الزراعة ويمارسونها
على ضفاف النيل، كما كانوا يعرفون النحاس ويستخدمونه.
تاريخ السودان القديمتمتد جذور تاريخ السودان وحضارته إلى عصور موغلة في القدم، فقد شهد حضارات لما
قبل التاريخ، وأخرى من العصور التاريخية المبكرة جدًا. ويمكن أن يقسم حقب التاريخ
القديم للسودان وحضاراته إلى ثلاث حقب رئيسية هي: ما قبل التاريخ، والمجموعتان
الحضاريتان الأولى والثانية، وكوش. وتُعد المجموعتان الحضاريتان صلة بين ما قبل
التاريخ وحقبة كوش من جهة؛ كما تُعد المجموعة الثانية منهما معاصرة للنصف الأول من
كوش، زمنًا وحضارة، من جهة أخرى.
ما قبل التاريخ. لم يكن غريبًا على السودان، بحكم موقعه
الجغرافي في شمال شرقي إفريقيا، أن يحتوي على آثار لحضارات قديمة تعود إلى المراحل
المبكرة من العصر الحجري القديم، بسبب مجاورته لأقدم مواطن الحضارات الإنسانية؛
فإلى الشرق والجنوب الشرقي منه، في أثيوبيا وكينيا وتنزانيا، ظهرت أقدم الأدلة
المعروفة لدى الباحثين حتى الآن لبدايات الحضارة البشرية. وعلى الرغم من أن دراسات
العصور الحجرية وما قبل التاريخ في السودان لاتزال في بدايتها، فإن ما عثر عليه
كافٍ لإعطاء صورة عن تلك المرحلة.
على ضفاف نهر النيل وفروعه في أواسط السودان وشماله عثر على مواقع حَوَت أدوات
حجرية أشولية مبكرة، تعود إلى الدور الثاني من حقبة العصر الحجري القديم الأسفل،
ربما يتجاور تاريخها المليون عام. ومن أهم تلك المواقع موقع خور أبي عنجة في أم
درمان ومواقع أرقين قرب وادي حلفا. ويعتقد أن النيل الأزرق، والذي يُعد الآن المصدر
الرئيسي لمياه نهر النيل، لم يكن آنذاك جزءًا من شبكة الأنهار المكونة لنهر النيل.
غير أن هذا الرأي ينتظر المزيد من الدراسات الجيوآثارية.
حوت المواقع الأشولية أدوات شملت الفؤوس والسواطير. وقد تباينت في تطورها بين
الأشولي الأسفل والأوسط والأعلى. ومع ظهور الأشولي الأعلى ازدادت نسبة التقنية
اللفلوازية التي ميزت العصر الحجري القديم الأوسط، والذي وجد حضاريًا في عدة مناطق
من السودان. وقد شملت هذه المرحلة ثلاثة أنماط حضارية هي الموستيرية التي تميزت
بأدوات حجرية مثل المكاشط الرأسية والمناقش والمخارز، فالموستيرية التي غلبت فيها
المناجل الحجرية، وأخيرًا السنجاوية التي تميزت بالمكاشط الجانبية والشظايا، وإن
اختلفت في بعض سماتها عن السنجاوية من جنوب الصحراء. ويعود تاريخ مواقع هذه المرحلة
إلى نحو 60,000 - 25,000ق.م.
أما العصر الحجري القديم الأعلى (نحو 25,000 - 15,000ق.م) فقد شهد تطور عدة
حضارات، مثل حضارة جِمَيّ وحضارة السبيل، تباينت في تقنية الأدوات المستخدمة فيها
وأنواعها. وفي العصر الحجري القديم الأعلى المتأخر (نحو 15,000 - 7500ق.م) عرف
السودان حضارات أنتجت أدوات قزمية وشفرات صغيرة تظهرها حضارات بلانة وحلفا. واعتمد
اقتصاد هذه الحضارات، وفي جميع مراحلها السابقة، على جمع النباتات البرية والصيد
البري والأسماك.
أما العصر الحجري الحديث (نحو 7,500 - 2,500ق.م) فقد تميز بصناعة الفخار،
وممارسة الرعي والزراعة والاستقرار. وهناك أدلة وافرة عن هذه الفترة التي شهدت
تقلبات مناخية كبيرة.
كانت للمجتمعات السودانية القديمة آنذاك مساهمات واضحة في تطور حضارات العصور
الحجرية. فإلى جانب دورها في نقل بواكير الحضارة البشرية من شرقي إفريقيا إلى
شماليها، فإن تلك المجتمعات سبقت غيرها في المناطق المجاورة الصغيرة، وفي صناعة
الفخار الذي تُعد أدلته المبكرة من أواسط السودان من أقدم الأدلة على إنتاجه في
العالم.
المجموعتان الحضاريتان (3100 - 1500ق.م). هما مجموعتان
تنسبان إلى أقوام وجدت آثارهم في النوبة المصرية حاليًا، مع تجاوز لها جنوبًا إلى
جنوب الشلال الثاني. ولأن أصحاب هاتين المجموعتين لم يعرفوا الكتابة، ولم يخلفوا
نقوشًا توضح أصولهم وأنظمتهم السياسية، والأحداث التاريخية المهمة في تاريخهم، فقد
سماهم الآثاريون الأولون المجموعات الحضارية. ولما كان الاعتقاد لدى علماء الآثار
الأولين أن هناك ثلاث مجموعات حضارية فقد ميزوها بالحروف الثلاثة الأولى من
الأبجدية اللاتينية A (ألف) و B (باء) و C (جيم). ولما اتضح
لعلماء الآثار اللاحقين المعاصرين أنه ليست هناك ثلاث مجموعات وإنما هما مجموعتان،
وأن ما عرفت بالمجموعة B (باء) ليست إلا جزءًا
وسطًا بين المجموعتين A (ألف) وC (جيم)، فقد اكتفوا بمجموعتين فقط
يمكن تسميتهما بالمجموعة
الحضارية الأولى والمجموعة الحضارية الثانية.
والمجموعتان الحضاريتان لم تكونا متعاصرتين، وإنما كانتا متعاقبتين، يفصل
المجموعة الأولى عن الثانية نحو سبعة قرون من الزمان. ويُعلَّل هذا الفاصل الزمني
بأن أصحاب المجموعة الحضارية الأولى تركوا بلاد النوبة لأسباب غير معلومة يقينًا
الآن، ثم عادوا لها بعد سبعة قرون لأسباب غير معروفة يقينًا أيضًا. ويعني هذا القول
أن أصحاب المجموعتين قوم واحد، لا اختلاف بينهما إلا في بعض أساليب الحياة التي
اكتسبها أصحاب المجموعة الحضارية الثانية بمرور الزمن والبيئة المختلفة التي كانوا
قد نزحوا إليها من النوبة.
تعاصر المجموعة الحضارية الأولى الأسرتين الأولى والثانية من المملكة المصرية
القديمة، نحو 3,100 - 2,686ق.م. انظر:
مصر
القديمة . كما تعاصر بداية المجموعة الثانية الأسرة السادسة من المملكة
المصرية القديمة نفسها، نحو 2460ق.م. أما نهايتها فيؤرخ لها بنحو 1,500ق.م، بعد
احتلال مصر بلاد النوبة وشمال كوش في الأسرة الثامنة عشرة من المملكة المصرية
الحديثة. وخلال هذه الفترة الطويلة عاصرت المجموعة الحضارية الثانية كوش منذ منشئها
نحو 2,500ق.م، إلى الاحتلال المصري لجزئها الشمالي نحو 1,500ق.م. انظر:
كوش.
وقد اتضح من المعثورات من مقابر المجموعتين الحضاريتين أن أصحابهما تمتعوا
بمستوى عالٍ نسبيًا من الرفاهية، وأنهم عرفوا قدرًا من الزراعة إلى جانب الرعي، كما
اتضح أن أصحاب المجموعة الحضارية الثانية ربوا أبقارًا متميزة بقرونها الطويلة من
النوع الذي انتشر في شمال شرق إفريقيا. وأبانت معثوراتهم أنهم كانوا على صلة وثيقة
بمصر. ويثبت حرصهم على تزويد موتاهم بأمتعة دنيوية أنهم كانوا يؤمنون بحياة آخرة
يعيش فيها المرء كما يعيش في حياته الدنيا ويحتاج فيها إلى متاعه الذي ألفه في
الحياة الدنيا.
كوش. يعتبر ظهور كوش معاصرًا للأسرة السادسة المصرية
ولبداية المجموعة الحضارية الثانية في النوبة المصرية الآن. يؤرخ لهذا الظهور بنحو
2500ق.م. وتُعد المدينة التي وجدت آثارها في كرمة الحالية عاصمتها الأولى، وموقعها
جنوب الشلال الثالث.
تميزت كوش بفترات عدة، ولكل واحدة منها خصائصها. هذه الفترات هي: فترة كرمة (نحو
2500- 1500ق.م)، الفترة النبتية الأولى (؟ - 746ق.م)، حكم مصر وكوش (746-663ق.م)،
الفترة النبتية الثانية (663-540ق.م)، الفترة المروية (540ق.م- 400م). انظر:
كوش.
والذي لا شك فيه هو أن رقعة كوش كانت واسعة جدًا، وإن لم يتيسر بعد تحديد حدودها
الفعلية، لكن المناطق التي شملتها آثارها واتساعها تؤكدان سعة رقعتها الجغرافية.
وتُعد حدودها الشمالية، في بداية تاريخها، في الشلال الثاني، أي جنوب المجموعة
الحضارية الثانية. لكن حدودها الشمالية تغيرت فيما بعد لتبلغ جنوب الشلال الأول، أي
كل النوبة المصرية حاليًا، في القرن الثاني قبل الميلاد.
تاريخ السودان في العصور الوسطىدخول النصرانية (543 - 1504م). مرت بمملكة مروي بعد القرن
الرابع الميلادي فترة غموض تاريخي لم يعرف الباحثون حقيقة أمره. ولم تتضح الحالة
التي كان عليها السودان حتى أخذت الديانة النصرانية تتوغل في أراضيه، ويدين بها
الناس، ويأتي إليهم المنصِّرون من مصر ومن غيرها.
ممالك النوبة. كان أول من تحدث عن النوبة هو إراتو سثينيس
(276-196ق.م)، وقد ذكر سترابو لفظ النوبة حين وصف أهلها بأنهم شعب عظيم في كتابه
السابع
الجغرافيا. وأضافت المصادر العربية الإسلامية مزيدًا من المعلومات عن
ممالك النوبة في الأراضي السودانية. ومن هذه المصادر يعرف أنه كانت هناك ثلاث ممالك
نوبية في الأراضي الواقعة بين أسوان وجنوبي الخرطوم. وهذه الممالك هي: مملكة
نوباتيا وامتدت من الشلال الأول إلى الشلال الثالث، وعاصمتها فرص. ثم تلتها مملكة
المقرة وعاصمتها دنقلا. وكانت حدود هذه المملكة تمتد إلى المنطقة التي سمّاها العرب
الأبواب، وهي بالقرب من بلدة كبوشية (شندي). أما المملكة النوبية الثالثة
فهي مملكة علوة، وامتدت حدودها جنوبًا إلى ماوراء الخرطوم، إذ إن عاصمتها كانت في
سوبا التي تقع جنوب شرقي الخرطوم.
كان أول من حدثته نفسه بالذهاب إلى ممالك النوبة للتنصير هو الأسقف يوليانوس
الذي ذهب إلى الإمبراطورة الرومية (البيزنطية) ثيودورا زوجة، الإمبراطور الرومي
(البيزنطي) جستنيان في القسطنطينية، وأخبرها بأنه يود أن يدخل النوبة في الدين
النصراني. كانت ثيودورا أسرع من زوجها في تمهيد الطريق ليوليانوس لكي يذهب إلى مصر،
فقدم له حاكمها الروماني العون امتثالاً لأمر ثيودورا، وأسرع في إرسال بعثته إلى
النوبة. ووصل الأسقف إلى بلاط ملك نوباتيا في حوالي سنة 543م، وهناك التقى بالملك
النوبي وأسرته محدثًا إياهم عن النصرانية على مذهب اليعاقبة. ووجد تنصيره أذنًا
صاغية لدى الملك النوباتي الذي قبل أن يُعمّد هو وأسرته. وهكذا دخل هذا الجزء من
بلاد النوبة في النصرانية.
واستطاع المنصِّرون اليعاقبة أن يشدوا الرحال إلى سوبا عاصمة مملكة علوة، ونجحوا
في الوصول إلى هناك باتفاق بين ملك البجة وملك نوباتيا، واستقبلهم الملك النوبي
وأهل بيته، وقبلوا اعتناق النصرانية على مذهب اليعاقبة أسوة بمملكة نوباتيا. وكان
هذا المذهب هو الذي يدين به المصريون.
أما المملكة النوبية الثالثة وهي مملكة المقرة وعاصمتها دنقلا فإنها تنصرت على
المذهب المغاير وهو الملكاني، وهو شيء محير، ذلك لأن هذه المملكة كانت واقعة بين
المملكتين اليعقوبيتين، إحداهما شمالها وهي نوباتيا، والأخرى جنوبها وهي سوبا.
المسلمون والنوبة. طرق العرب المسلمون أبواب مملكة المقرة
النوبية أول مرة في إمارة عمرو بن العاص الأولى وذلك سنة 20هـ، 640م، عندما أرسل
إليهم عقبة بن نافع الفهري لفتح البلاد ونشر الدعوة الإسلامية.
وبعد أن عين الخليفة عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ عبد الله بن سعد بن أبي
السرح أميرًا على مصر، أعدّ هذا الأمير جيشًا لغزو النوبة عام 31هـ، 651م. وخرج عبد
الله بجيش قوامه نحو 5,000 مقاتل، ودخل أراضي المقرة حتى وصل إلى عاصمتها دنقلا
التي قاومته بشدة، فحاصرها، وضربها بالمنجنيق. وسُميت تلك المعركة بمعركة
رماة
الحدق. ولما لم تكن المعركة معركة فاصلة فقد اتفق الجانبان على إحلال السلم
بينهما بشروط من أهمها: إنهاء الحصار ووقف القتال، وألا يمنعوا المسلمين من الصلاة
في مسجد دنقلا، كما يجب على النوبيين أن يعملوا على نظافة المسجد هناك وإضاءته،
وعدم الاعتداء على المسلمين الذين يصلّون فيه. وفي نظير ذلك تعهد المسلمون بتقديم
بعض الأقمشة للنوبة، كما وافقوا على إعطائهم 1,300 أردب من القمح، ومثلها من
الشعير، وجوادين، وفتح أبواب التجارة والعبور بينهما. وسُميت هذه الاتفاقية في
الكتب العربية
البقط ولعلها كلمة أُخذت عن اللاتينية بمعنى اتفاقية.
رغم اتفاقية البقط، فإن العلاقات بين المسلمين والنوبة كانت تسوء أحيانًا وتندلع
بينهم المناوشات. وربما كان السبب في ذلك امتناع النوبة عن القيام بالتزاماتها. وقد
يكون بسبب بعض الإغارات التي كان يقوم بها أهالي النوبة على أسوان وصعيد مصر من وقت
لآخر.
وقد غزا المسلمون النوبة عدة مرات بعد صلح عبد الله ابن سعد بن أبي السرح، مرة
في خلافة هشام بن عبد الملك ولم تفتح، ثم غزاها يزيد بن أبي حاتم بن قبيصة بن
المهلب ابن أبي صفرة على يد عبد الأعلى بن حميد، وغزاها كافور الإخشيدي. ثم غزاها
ناصر الدولة بن حمدان وأغار على السودان لكن جيشه نُهب وأخذ منه كل ما كان معه،
ورجع خاسرًا وذلك في سنة459هـ، 1066م في خلافة المستنصر بالله العبيدي الفاطمي
بالديار المصرية. ثم غزاها بعد ذلك شمس الدولة توران شاه شقيق صلا ح الدين الأيوبي
سنة 568هـ، 1172م، ولم يتجاوز إبريم. ثم مضى إليها جيش الملك الظاهر ركن الدين
بيبرس الصالحي في رجب 674هـ، أكتوبر 1275م. وهذه الحملات كانت عام 767هـ، 1365م حيث
دارت معارك بين ملك النوبة وكل من بني عكرمة وبني جعد. بعدها ترك ملوك النوبة دنقلا
واستقروا في قلعة الدوّ.
مملكة البجة. كان العرب ينطقونها بضم الباء ويقولون أيضًا
البجاة، ولكن الاسم السائد أصبح الآن بكسر الباء، وهم أمة من الناس عاشوا منذ أكثر
من خمسة آلاف سنة في المنطقة الواقعة الآن بين بئر شلاتين على البحر الأحمر، وجزيرة
دِهْلك وباضع، أي مُصَوَّع، في إرتريا. وهم أمة بادية. وعرف البجة بالبليميين في
عصور اليونان والرومان. وكانوا يركبون الجمال، يسافرون عليها، ويقاتلون من فوق
ظهورها. وكانوا يحاربون المصريين أحيانًا، كما كانوا يحاربون معهم أحيانًا أخرى.
وكذلك فعلوا مع من جاء بعدهم ممن حكم مصر وخاصة البطالمة والرومان، وأخيرًا العرب.
فلما جاء المسلمون كان أول من التقى بهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح سنة 31هـ،
651م، فرآهم في صعيد مصر بعد حربه مع النوبة، وسأل عنهم، فقيل له: إنهم لايقيمون في
مقر واحد، وأنهم أهل بادية. فلم يهتم كثيرًا بأمرهم. وعلم البجة أن المسلمين قد
جاءوا بدين جديد هو دين الإسلام، فقبلوا هذا الدين وهم لا يعرفون العربية. واعتنقته
جماعات منهم، دون أن يعرفوا كيف يضبطون شرائعه. ولم يتفق معهم ابن أبي السرح على
شيء يحدد العلاقة بينهم وبين المسلمين، وكانت عيذاب ميناءهم الذي كان يبحر منه
المسلمون إلى جدة، أو يقدمون من جدة إليها ثم إلى صعيد مصر وأرض النوبة، فظلت هذه
المناطق تستقبل القبائل العربية. وقد استقر كثير من العرب والمسلمين فيها، وحدث
امتزاج بين المسلمين والأهالي وازدادت الروابط وثوقًا.
وعندما حل القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي كان السودان يعج بالقبائل
العربية. وكان من بين هذه القبائل جماعة من
الأمويين يُعرفون بالفونج، سلكوا
طريقًا مختلفًا عن غيرهم ووصلوا إلى منطقة سنار جنوبي الخرطوم.
وكانت مملكة علوة النوبية النصرانية تحكم أكثر مناطق السودان. ومع أنها مملكة
شاسعة مترامية الأطراف بعيدة عن الأراضي المصرية، وعن شرقي السودان، إلا أن العرب
كانوا يؤمونها، ويعتقدون أن النيل ينبع من هناك، وأن في جزيرة علوة الفيلة
والخرتيت.
وهكذا ازداد تدفق القبائل العربية في السودان، وكانت أولى محاولات بعض القبائل
العربية كربيعة وبني جعد وبني عكرمة هي الاستيلاء على دنقلا عاصمة مملكة المقرة.
وفي سنة 767هـ، 1365م تحالف كل من بني الكنز وبني عكرمة وبني جعد للقضاء على ملك
المقرة. وبالرغم من أن السلطان المملوكي أرسل جنوده لحماية ملك المقرة إلا أن الملك
النوبي لم يشعر بالاطمئنان على نفسه وهو في دنقلا، ولذلك رحل إلى قلعة الدو.
بعد رحيل ملك النوبة وابن أخيه الذي كان معارضًا له إلى قلعة الدوّ لم يذكر
المؤرخون شيئًا عما حدث في دنقلا عاصمة النوبة على مدى قرون طويلة. وكان قد حاق بها
الخراب من جراء تلك الاشتباكات، وأخلاها أهلها وبقي بنو جعد حولها.
ممكلة علوة. أما مملكة علوة فلم تهاجمها القبائل العربية
طوال القرون من عام 31-910هـ، 651-1504م ولكنهم كانوا قد أقاموا في أراضيها،
واختلطوا بأهلها. وكان السكان الأصليون طوال فترة التغلغل العربي قد أخذوا يعتنقون
الدين الإسلامي. ولكن ملوكها تمسكوا بنصرانيتهم.
اجتمع العرب تحت مظلة شيخ قبيلة القواسمة الشيخ عبد الله جماع، وزعيم الفونج
عمارة دُنقس، وكونوا جيشًا موحدًا انطلق نحو سوبا عاصمة مملكة علوة، ودخلوا في
أَرْبجي، في طريقهم إلى سوبا، في معركة فاصلة مع جيش النوبة انتهت بالقضاء على ذلك
الجيش، وإنهاء مملكة النوبة، وخراب العاصمة. وبعد ذلك تولى عمارة دُنقس المُلك،
وأصبح عبد الله جماع وزيره. وكان هناك اتفاق على أن يكون المُلك في عمارة وأبنائه،
وأن تصبح الوزارة في يد الشيخ عبد الله جماع وذريته. وأقام عمارة في عاصمته التي
خطها وهي سنار، وظل عبد الله جماع في قصبته التي هي في بلدة قرشي بالقرب من
الخرطوم. وفي هذه الفترة خرجت السلطنة الزرقاء إلى الوجود في الأراضي السودانية كما
عرفت أيضًا بسلطنة الفونج ومملكة الفونج وذلك في سنة 910هـ، 1504م.
مملكة الفونج (910-1236هـ، 1504-1820م). هي أول مملكة
إسلامية ظهرت في السودان، وقد دانت لها أكثر القبائل العربية المنتشرة بين سنار إلى
منطقة دنقلا. ودانت لها قبائل البجة بشرقي السودان من مملكة بني عامر الممتدة حتى
مصوع جنوبًا إلى البشاريين شمالاً حتى الحدود الشمالية مع مصر. وكانت هذه المملكة
المسلمة اتحادًا لممالك القبائل المختلفة الذين كانوا يدينون بالطاعة لسلطان
الفونج.
وفي العصور التي كان فيها السلطان الفونجي قويًا استطاع أن يوسع رقعة بلاده
لتشمل كردفان أيضًا، كما أنها في أوقات ضعفها خسرت مملكة الشايقية الذين خرجوا عن
طاعتها. ودخلت مملكة الفونج في حربين مع الحبشة؛ الأولى في عام 1028 - 1029هـ، 1618
- 1619م، والثانية في سنة 1157هـ، 1744م، وذلك بسبب محاولات الحبشة الاعتداء على
الأراضي الفونجية. وتمكن ملوك السلطنة الزرقاء من هزيمة الأحباش في تلك الحروب.
اهتمت سلطنة الفونج بعلاقاتها بالخارج، فلما أراد السلطان العثماني سليم الفاتح
أن يرسل جيشًا لفتح السودان بعد فتح مصر 923هـ، 1517م، أرسل إليه الملك عمارة دُنقس
رسالة أنبأه فيها أن بلاده لا يسكنها إلا أعراب بادية، وأنهم جميعًا مسلمون، وأنهم
لا يملكون من حطام الدنيا شيئًا إلا القليل. وأرسل إليه ما كتبه الإمام السمرقندي
عن أنساب القبائل العربية في السودان. فعدل السلطان العثماني عن غزو للسودان.
وكان كل من سلاطين آل عثمان وسلاطين الفونج ووزرائهم يهتمون بتأمين طريق الحجاج
الأفارقة إلى الديار المقدسة. وجعل الوزراء الطريق مأمونًا داخل السودان للوصول إلى
سواكن. ولما كانت سواكن تفتقر إلى المياه التي تكفي الحجاج فقد أمر الوزير
العَبْدلاَّبي بحفر ترعة كبيرة تُعرف في السودان
بالفولة وذلك لتتجمع فيها
مياه الأمطار ويستعملها الناس فيما بعد في حاجاتهم اليومية. واشترى وزراء الفونج
الأراضي حول الحرمين الشريفين، وأقاموا فيها أروقة لحجاج سلطنة الفونج، كما أنشأوا
الرواق السناري في مصر في الأزهر الشريف، ليلجأ إليه الطلاب السودانيون الذين
يتلقون العلم في الأزهر. وكان كل الحجيج الإفريقي يستظل بظل رواق الفونج في أرض
الحرمين الشريفين.
وكان سلاطين الفونج يرحبون بعلماء المسلمين حين يزورون سنار وذلك للإفادة من
علمهم، وإرشاد الأهالي إلى الدين القيم.
ظلت مملكة الفونج بين مد وجزر حتى سنة 1236هـ ، 1820م حين قرر محمد علي باشا
والي مصر فتح السودان.
فتح محمد علي للسودان 1236هـ، 1820مبعد أن تولى محمد علي الحكم في مصر، أخذ يفكر في التوسع في الأراضي المجاورة له.
وكان أن أعدّ العدة لغزو السودان والاستيلاء عليه، بعد أن أرسل الرسل لدراسة الحالة
في السودان، ومدى المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها جيشه. فلما اطمأن للنتائج أعدّ
جيشين أحدهما بقيادة ابنه إسماعيل لغزو مملكة الفونج، وإخضاع أراضيها لحكمه. أما
الجيش الثاني فقد كان بقيادة صهره الدفتردار، وكان على هذا الجيش أن يتوجه إلى
كردفان بغربي السودان.
وكانت لمحمد علي أسباب تدعوه إلى القيام بهذا العمل، فقد كان توَّاقا إلى إعداد
جيش قوي يحسن تعلم النظام، وقبول الأوامر، والانصياع لرؤسائه. ومن أهدافه أيضًا
الحصول على مناجم الذهب وخصوصًا في جبال شنقول، واحتكار تجارة الأراضي السودانية من
رقيق وعاج وأشياء أخرى، وتأمين حاجة مصر من مياه النيل خوفًا من سيطرة دولة أخرى
عليه. وكان محمد علي نفسه يخشى على موقفه من الأطماع الغربية فقرر الاستيلاء على
الأراضي السودانية لتكون له ملاذًا من الأطماع الأوروبية، وأمانًا لحدوده الجنوبية.
لهذه الأسباب قرر محمد علي إرسال جيشين إلى السودان للاستيلاء على مملكة الفونج
وإنهاء حكمهم من سنار وضم منطقة كردفان.
كان جيش إسماعيل يتكون من 4,500 جندي، مسلحين بالأسلحة النارية ومعهم بعض
المدافع والخبراء.
تقدم هذا الجيش في 1236هـ، 1820م. ولم يصادف أية مقاومة تذكر في المرحلة الأولى،
حتى وصل إلى أرض قبيلة الشايقية التي قاوم أهلها جيش محمد علي، والتحموا معه في
معركة كانوا يحاربون فيها بالسلاح الأبيض، لكن السلاح الناري فتك بهم وشتت شملهم،
ولم تنجح المقاومة. واضطرت قبيلة الشايقية إلى الاستسلام. وتقدم جيش إسماعيل بعد
ذلك جنوبًا في طريقه إلى سنار.
واصل الجيش تقدمه حتى وصل إلى بربر، فبقي فيها إسماعيل ينتظر قدوم زعماء القبائل
السودانية لمبايعته. وبدأت تصله طلائع بعضهم ومنهم ابن المك نمر ملك قبيلة
الجعليين. ثم تقدم بعد ذلك إلى شندي. وكان قد أرسل إلى الوزير الفونجي محمد عدلان
يطلب منه ومن السلطان تقديم فروض الولاء. وكان إسماعيل قد أقر زعماء القبائل على
مواقعهم زعماء على تلك العشائر. ولم يكن الوزير يرغب في التنازل عن مسؤوليته
القومية لإسماعيل.
كان أول ما فعله إسماعيل عند فتح السودان أن فرض الضرائب على الأهالي وهو أمر لم
يكن معروفًا لديهم في عهد دولة الفونج.
وفي ديسمبر 1238هـ، 1822م مات إسماعيل، وكثير من بطانته حرقًا بسبب خدعة أعدها
له المك نمر، فعاد الدفتردار من كردفان وعامل السودانيين بشيء من القسوة وظل يتعقب
المك نمر الذي فر إلى الحبشة. ثم استقرت الأمور، وأرسل محمد علي من يطمئن الأهالي،
ويعيد الأمن للسودان. وبدأت محاولات تحقيق الأهداف، وذلك بالحصول على السود للتجنيد
في الجيش المزمع إنشاؤه. لكن الأعداد التي كانت ترسل لم تكن بالقدر الكافي. كذلك
فإن الذهب الذي قيل عن وجوده بكثرة لم تظهر تباشيره. وذهب محمد علي إلى السودان في
زيارة لتفقد الأحوال، فطمأن الأهالي، وشجعهم على أن يأخذوا بأهداب المدنية
الحديثة.
قسم محمد علي البلاد إلى مديريات يحكم كل منها مدير، وعين حاكمًا عامًا على
السودان، يعمل تحت إمرته هؤلاء المديرون. وكان خورشيد باشا أول حاكم عام للبلاد،
واهتم بالمسألة العمرانية. وكان محمد علي يوالي طلباته للسود وللذهب، مع فرض
الضرائب التي لم يستطع الأهالي دفعها.
اهتم محمد علي باشا بعد فتح السودان بالناحية القضائية، فأدخل نظام القانون
التركي في البلاد ليحل محل القانون القبلي، الذي كان منتشرًا فيها، وأصبح هذا
النظام نافذ المفعول في القضايا الجنائية والمدنية، وعيَّن رئيسًا للقضاة على كل
الديار السودانية.
وفي عهد عباس الأول ومحمد سعيد شهد السودان لأول مرة فتح مدرسة عصرية هي مدرسة
الخرطوم التي عمل فيها رفاعة الطهطاوي بعد رجوعه من فرنسا.
وفي خلال فترة الحكم المصري في السودان (1236 - 1303هـ، 1820 - 1885م) توسعت
الحدود السودانية فشملت أراضي شرقي السودان، حيث تسكن قبائل البجة، وشمل التوسع
المناطق الجنوبية من السودان فأرسل إليها السير صمويل بيكر وغوردون باشا لضمها إلى
أملاك مصر في السودان. كما قام الزبير باشا بعمل منفرد لفتح بحر الغزال وتأسيس
مملكة إسلامية بها. وكان جنوده من السود، وكان قد استرقهم في بادئ الأمر، ثم أعدَّ
منهم جيشًا. وسرعان ما بدأت المناوشات بينه وبين مملكة دارفور غربي السودان بسبب
تعرضهم لقوافله التجارية عبر أراضيهم. وكانت مملكة الفور مملكة إسلامية منذ القرن
السابع عشر الميلادي.
وفي عهد الخديوي إسماعيل استأجرت مصر ميناءي سواكن ومصوع من الحكومة العثمانية،
وتوسعت الحكومة المصرية بعد ذلك في إرتريا وضمتها إليها. وجعلت من سواكن أيضًا
ميناء للسودان؛ حتى يستطيع السودان ممارسة تجارته، وإرسال صادراته، وتسلم وارداته
من سواكن بدلاً من طريق النيل.
ازدادت مساحة أملاك مصر في السودان حتى بلغت أكثر من مليون ميل مربع، وذلك عندما
أرسل غوردون ليكون حاكمًا عامًا على السودان لأول مرة في الفترة ما بين 1877 -
1879م. ومع ازدياد مساحة السودان ازدادت مشكلات الحكم فيه.
حاولت الإدارة المصرية استغلال موارد السودان فأرادت إدخال زراعة القطن وحلجه.
وحاول حسين بك خليفة أن يشجع السودانيين على زراعة الأراضي. وكان نجاح الخديوي
إسماعيل باشا كبيرًا في ميدان المواصلات حيث امتدت خطوط البرق لتصل إلى مسافة
48,000 ميل في السودان بل إنها ربطت بين القاهرة والخرطوم سنة 1869م. ووصلت بعض
البواخر النيلية إلى الخرطوم حتى تصل إلى الجنوب.
لم تكن محاولات الحكام الذين تولوا إدارة شؤون البلاد بمستوى المسؤولية الملقاة
على عاتقهم، كما كانت الضرائب التي تشمل كل شيء وكل فرد، قد أرهقت المواطنين. وكان
السودانيون قد كرهوا الظلم الذي حاق بهم، كما أن الطرق التي تتخذ مع الأهالي
لإجبارهم على دفع الضرائب لم تكن إنسانية. لذلك فقد كانوا يتمنون الخلاص من ذلك
الموقف الظالم على يد مصلح يطمئن النفوس، ويرفع الظلم.
الثورة المهدية وحروب الاستقلالتنسب الثورة المهدية إلى مفجرها الزعيم الديني محمد أحمد المهدي (1844 - 1885م)،
ولد في شمالي السودان، وينتمي إلى قبيلة الأشراف التي استوطنت بالقرب من دنقلا. حفظ
القرآن في صغره حيث التحق بالكتاب، وشبّ على اتباع شعائر الدين الإسلامي. ثم ما لبث
أن رحل مع والده إلى كَرري بالقرب من الخرطوم، وهناك ظل في متابعته لدراسته
الدينية.
وكان من أساتذته الشيخ محمد الخير الذي اقتدى به وعمل في أرضه ليستخرج منها
طعامه وشرابه. وكان يرى أن الضرائب التي تجمعها الحكومة من الناس هي نوع من الظلم
الذي ينهى عنه الإسلام.
وسافر المهدي إلى كردفان بغربي السودان، وهناك اتصل بعلماء الدين وطلب منهم
الوقوف معه صفًا واحدًا. ثم عاد إلى جزيرة أبا، وأخذ يكتب لكل من سمع به من العلماء
آملاً منهم أن يناصروه في دعوته. وكان من بين من سمعوا تلك الدعوة، أستاذه محمد
شريف نور الدائم الذي أبلغ حكمدار (حاكم) السودان بالأمر ليتخذ الخطوات اللازمة
لكبح جماح محمد أحمد.
بمجرد أن علم الحكمدار رؤوف بما استقر عليه رأي محمد أحمد المهدي، خاصة وأنه
دعاه شخصيًا للإيمان بمهديته، رأى أن يولي الأمر أهمية أكبر. فأرسل أحد أعوانه وهو
محمد أبو السعود إلى جزيرة أبا، ليثني المهدي عن قراره. ووصل أبو السعود الجزيرة في
11 رمضان 1298هـ، 7 أغسطس 1881م، وطالب المهدي أن يرجع عما هو ماض فيه، فنصحه
المهدي بمبايعته وألا يترك الفرصة تفلت من يديه.
رجع أبو السعود إلى الخرطوم وقد قرر أن يلجأ إلى القوة، ثم عاد إلى أبا بإحدى
البواخر ومعه حوالي 200 جندي وبعض الضباط. وكان المهدي قد أخذ البيعة من تلاميذه،
الذين تعهدوا بالوقوف معه حتى الموت، وحملوا في أيديهم ما وجدوا من سيوف، وتسلّحوا
بالعصي والحجارة.
وفي مساء 16، 17 رمضان 1298هـ، التحمت القوتان، وقاتل رجال المهدي ببسالة، وبعد
وقت قصير قتلوا أغلب جنود الحكومة وبينهم أبو السعود، وفرّ الباقون نحو الباخرة
التي أقلّتهم نحو الخرطوم. وهكذا كانت بداية الثورة المهدية.
أسباب الثورة المهدية. أسبابها دينية في المقام الأول.
فقد رأى المهدي بعض الممارسات التي لا تمت للإسلام بصلة مثل التبرك ببعض المشايخ،
ولمس تدني الوازع الأخلاقي عند البعض، وشهد المستعمر يدنس أرض بلاده التي صنفها دار
سلام (إسلام) مقابل دار الكفر. وكان الناس يعانون قلة المال الذي في أيديهم، ولذلك
رأوا في الضرائب التي اتسم بها عهد الحكم المصري ظلمًا لا يقرّه الإسلام. فضلاً عن
أن طريقة جمع الضرائب وما فيها من تعذيب، وما يقوم به الجنود الذين يجمعونها من
تحقير للمواطنين، واستخفاف بهم، جعل تذمّر الأهالي يشتد. في الوقت نفسه قوي مركز
المهدي بوصفه عالمًا دينيًا، استطاع أن يثير الحماس في مواطنيه.
انتصارات المهدي. بعد معركة أبا توقع المهدي أنْ ترسل
الحكومة جيشًا لكسر شوكته، ونصحه تلاميذه وأعوانه بالهجرة إلى كردفان، حيث يكثر
الدُّعاة من العلماء ومن القبائل بعيدًا عن العاصمة الخرطوم وجيوش الحكمدار،
بالإضافة إلى محاولات الإداريين المحليين للقضاء على المهدي. وكان أول من حاول تعقب
المهدي محمد سعيد باشا مدير مديرية كردفان، فخرج ببعض القوات لمقارعة المهدي، ولكن
الملك آدم ملك تقلي قام بإطلاق الرصاص على القوة أثناء الليل، فخشي المدير على
نفسه، وتراجع عن تعقّب المهدي.
ثم حاول مدير فاشودة راشد بك أيمن ضرب المهدي، لكن الهزيمة حلّت به، وقتل أثناء
المعركة في 16 محرم 1299هـ، 9 ديسمبر 1881م.
بعث جيقلر باشا من الخرطوم بقوة عددها 000،6 جندي تحت قيادة يوسف باشا الشلالي
لمحاربة المهدي، في فجر 30 مايو 1882م وتمكن رجال المهدي من إبادة هذه القوة،
والاستيلاء على أسلحة نارية كثيرة استعان بها المهدي في تثبيت أقدامه.
الثورة في أنحاء السودان. الجزيرة اصطلاح يطلقه
السودانيون على المنطقة التي بين النيل الأبيض والنيل الأزرق، وهي منطقة آهلة
بالسكان تكثر فيها مدارس القرآن، وقد عرف فيها المهدي بنسكه وتعبده. وقد ناصر
أهاليها الحركة المهدية وكان على رأسهم الشيخ المكاشفي، ولحق به آخرون حتى كثر
أتباع الحركة المهدية الذين عرفوا بالأنصار (أنصار المهدي) في هذه المنطقة وحاولوا
بكل ما يملكون مقاومة الظلم. ولما كانت الجزيرة قريبة من الخرطوم، ومن الإمدادات
والعساكر التي كانت في يد الحكمدار، فإن هذه المحاولات لم تصادف نجاحًا عسكريًا،
لكنها أثارت الاضطرابات في البلاد، وبينما لقي المهدي وأنصاره عددًا من الهزائم في
وسط السودان فإنه حقق نصرًا حاسمًا في كردفان واستطاع أن يُسقط مدينة الأبيض، ثم
أرسلت الحكومة المصرية بإيعاز من بريطانيا جيشًا يقوده البريطاني هكس لكن المهدي
انتصر عليه وأباده إبادة تامة، بمن في ذلك قائده هكس؛ في معركة شيكان.
في الوقت نفسه كان أمير آخر من أمراء المهدي، اسمه عثمان دقنة، يقود جيوش
الأنصار في شرق السودان ويضعف سلطة الحكومة، حائلاً دون وصول أي إمدادات حكومية
للخرطوم من سواكن.
عملية إخلاء السودان. رشحت الحكومة البريطانية غوردون
لإتمام عملية سحب بقية الحاميات والمدنيين المصريين من السودان. وعرفت هذه العملية
باسم
عملية إخلاء السودان، وكانت مغادرته لمصر في 26 يناير سنة 1884م. ووصل
بربر في 11 فبراير، ومن هناك أرسل كسوة شرف إلى المهدي، وأخبره أنه عينه سلطانًا
على كردفان. ثم وصل غوردون الخرطوم في 18 فبراير من نفس السنة. ولكنه لم يحاول
البدء في الإخلاء، إذ كان المهدي ما يزال بعيدًا عن العاصمة. ثم خرج المهدي بجيش
عرمرم من الأبيض متجهًا إلى الخرطوم، وتمكن من فرض الحصار عليها وما زال غوردون
فيها. وتحت ضغط من الرأي العام البريطاني رأت الحكومة البريطانية أن ترسل حملة
عسكرية لإنقاذ غوردون، خاصة وأن الطريق بينه وبين مصر قد أغلق بسبب سقوط بربر في
أيدي الثوار. واستقر رأي القادة الإنجليز على السير عن طريق النيل للوصول إلى
غوردون، بدلاً من سواكن ومنها إلى النيل حتى الخرطوم، وذلك لصعوبة الطريق، وهجوم
عثمان دقنة المتوقع.
وتسابق كل من المهدي وجيش الإنقاذ البريطاني. فالمهدي يريد أن يسقط الخرطوم قبل
وصول البعثة العسكرية البريطانية، والبريطانيون كانوا يريدون الوصول إلى غوردون قبل
أن تخور قواه وقوى جنوده. وفي 26 يناير 1885م أمر المهدي جنوده بالهجوم العام على
الخرطوم، وكان قائده الأمير عبد الرحمن النجومي. وانهزمت حامية الخرطوم، وقُتل
غوردون. ثم وصلت طلائع حملة الإنقاذ على بواخرها النيلية بعد يومين فقط من سقوط
الخرطوم. فكانت خيبة أمل عظمى. فارتد بعدها الجيش المنقذ بعد أن فشل في مهمته من
جراء المقاومة العنيفة التي وجدها خاصة في معركة أبي طليح. وبرغم ذلك استمرت
بريطانيا تحارب شرقي السودان بعد أن سيطرت على ميناء سواكن.
المهدي يحكم السودان. تولى الإمام محمد أحمد المهدي حكم
السودان، من أم درمان، التي عُرفت آنذاك بالبُقْعة. وكان أول ما قام به هو الحكم
بمقتضى الشريعة الإسلامية، فنظّم الإدارة المالية لتطابق الشرع. وكانت أهم مصادره
المالية الزكاة والغنائم والعُشور. وأمر بسك عملة باسم حكومته وذلك لمقابلة النقص
في العملة المتداولة، واستخدم في ذلك الحلي الفضية والذهبية التي تم الاستيلاء
عليها في الأبيِّض والخرطوم. وكان قد عين الأمراء الذين يقومون بحكم المناطق وقيادة
الجيوش.
لم تطل حياة المهدي بعد سقوط الخرطوم، لأنه توفي في يوم الجمعة 6 رمضان سنة
1302هـ، 26 يوليو 1885م.
الخليفة عبد الله (1885 - 1898م). أصبح عبدالله التعايشي
خليفة للمهدي. وقد واجه نزاعات حادة كان من بينها النزاع مع الأشراف آل المهدي
الذين لم يكونوا راضين عن خلافته، وخاصة زعيمهم الخليفة شريف. ولم يكن أبناء النيل
أيضًا، وهم أبناء الحضر والمدن، مقتنعين بخلافة عبد الله، إذ إنه من غرب السودان.
وخشي الخليفة عبد الله من انقلاب الأشراف والحضريين، فأرسل إلى قبيلته (التعايشة)
لمساندته في أم درمان حيث مقر عاصمته. ثم عمل جاهدًا على إزاحة الأمراء السابقين
الذين كانوا يميلون إلى آل المهدي، وعين أقرباءه بدلاً منهم. وعندما لاحظ أن بعض
العشائر تريد أن تفلت من زمام دولة المهدية عمد إلى إخضاعها وتأديبها بشيء من
القسوة. واستطاع في آخر الأمر، أن يخضع كل القبائل السودانية، وأصبح حاكمًا
قويًا.
شهد السودان خلال هذه الفترة محنًا شديدة، كان أكثرها تأثيرًا مجاعة 1306هـ التي
اجتاحت السودان في الفترة ما بين 1888-1890م. وكان منها أيضًا كثرة الأطماع
الأوروبية في السودان، حيث تقدم البلجيكيون ودخلوا دارفور وبحر الغزال سنة 1894م.
وفي 17 يوليو 1896م هاجم الإيطاليون كسلا، ودحروا القوة السودانية فيها، وتمكن
الكابتن مارشان الفرنسي التوغل في جنوبي السودان حتى استولى استيلاءً مؤقتًا على
فاشودة في يوليو 1898م.
الغزو الإنجليزي المصري. في إطار التسابق الأوروبي في
إفريقيا، أرادت بريطانيا مشاركة مصر في السودان، باسترداده. لذا فقد جهزت جيشًا
بقيادة كتشنر مكونًا من بعض الفرق المصرية والبريطانية وبعض السود الذين كانوا في
مصر لغزو السودان.
تقدم الجيش الغازي عام 1896م من الحدود المصرية نحو السودان بغرض الاستيلاء على
الجزء الشمالي من البلاد حتى يصل في المرحلة الأولى إلى دنقلا. كانت أولى المعارك
في فركة، بينما كان الأنصار يؤدون صلاة الصبح. فقتل منهم حوالي 800 رجل، كما جرح
نحو 500 آخرين، ووقع أكثر الباقين في الأسر، وكان عددهم حوالي 1,600 جندي. واستمر
الجيش الغازي في زحفه نحو الجنوب، حتى وصل ببواخره وجنوده إلى دنقلا فانسحب منها
الأمير محمد بشارة لما رأى جيشًا يفوقه عددًا وعُدّة. وسقطت دنقلا في يد كتشنر
وجيشه. ثم توقف الزحف ريثما تحل المشكلات المالية لتمويل الجيش عن الفترة القادمة
والوصول إلى أم درمان. ولما تم الاتفاق على التمويل تقدم كتشنر حتى وصل إلى عطبرة
في 8 أبريل 1898م، وبالقرب منها في معركة النخيلة، استطاع أن يهزم الأمير محمود ود
أحمد الذي وقع أسيرًا في أيدي الحملة. ثم تقدم الجيش بعد ذلك نحو أم درمان. والتقى
بالجيش السوداني بقيادة الخليفة عبد الله وكل كبار رجال الدولة في موقعة كرري شمالي
أم درمان. وهناك، وفي يوم الجمعة 2 سبتمبر سنة 1898م، حصد الجيش الإنجليزي المصري
المكون من 25,000 جندي، بمدافعه الرشاشة، جنود الجيش السوداني الذي كان يتكون من
حوالي 50,000 مقاتل. وانتهت معركة كرري بهزيمة السودانيين. وأرسل كتشنر فرقة خيالته
لدخول العاصمة السودانية أم درمان، لكن الأمير عثمان دقنة كان قد نصب لهم كمينًا في
أحد الأودية، ولما نزلوا بخيلهم في الوادي فوجئوا بالأمير ورجاله يضربونهم بالسيوف
ويطعنونهم بالرماح فقتل أكثرهم وفر الباقون، لكن الجيش الغازي دخل أم درمان.
انسحب الخليفة إلى غرب السودان ليجمع رجالاً ويدخل في معركة جديدة. وكان معه بعض
ذوي الرأي من رجاله. وظلوا فترة من الوقت وهم يسيرون من مكان إلى آخر حتى وصلوا أم
دبيكرات. وهناك لحقت بهم قوة من الجيش المصري الإنجليزي وقضت عليهم في عام 1899م
واستشهد فيها الخليفة عبد الله نفسه وأهم وزرائه.
أعد اللورد كرومر، المندوب السامي البريطاني في مصر، اتفاقية حكم السودان. وقد
عرفت باتفاقية الحكم الثنائي (المصري الإنجليزي)، وفيها قرر أن يرشح البريطانيون
حاكمًا عامًا للسودان، يعينه ملك مصر.
الحكم الثنائيالإدارة البريطانية (2 سبتمبر 1898-31 ديسمبر 1955م).
تسمى هذه الفترة
بفترة الحكم الثنائي، أي الحكم المصري الإنجليزي للسودان.
وقد كان الحكم ثنائيًا اسمًا وبريطانيا فعلاً. فقد حكم البلاد
حاكم عام بريطاني يعاونه بريطانيون يتولون أعلى الوظائف الإدارية في البلاد، بينما كان
المصريون يتولون وظائف أقل منها أهمية. وكان هناك جيشان يقيمان في البلاد، بريطاني
ومصري. اتسمت هذه الفترة بمظاهر مهمة. فقد جعلوا من جنوب السودان منطقة مقفولة بنص
قانون اسمه
قانون المناطق المقفولة وضع لهذا الغرض، يمنع دخول السودانيين
الشماليين والمصريين فيه إلا في مهام رسمية أو بتصريحات خاصة، بينما كفلت الحرية
التامة لدخول الجنوب والتجول فيه للأوروبيين. وحظر على الجنوبيين محاكاة الشماليين
في الزي أو نمط الحياة. ويُعد هذا القانون من أهم وسائل الفصل وعدم التمازج الحرّ
بين الشماليين والجنوبيين إبان الحكم الثنائي.
أما المظهر الآخر الذي وضح في فترة الحكم الثنائي فهو قيام الإدارة البريطانية
بتنظيم الأمن، وبناء عدد من المدارس وفتحها، وفتح كلية غوردون التذكارية، التي
أصبحت فيما بعد جامعة الخرطوم الحالية، وتحسين سبل المواصلات، بإدخال السكك
الحديدية، كما اهتمت بالزراعة، وشيدت خزان سنار، وجهزت مشروع الجزيرة، وشجعت قيام
المشاريع الزراعية المروية بالمضخات على النيل، وأنشأت المستشفيات، وأدخلت المياه
والكهرباء في المدن الكبيرة، ورفعت من مستوى المعيشة في البلاد. وكان الغرض الأساسي
من مشروع الجزيرة زراعة القطن لتزويد مصانع النسيج البريطانية في لانكشاير بالقطن
لغزله ونسجه وبيع أقمشته. وكان معظم ما ذكر، على قلّته، في شمال السودان، لايماثل
بعضه شيئًا في الجنوب سوى مشروع الزاندي.
ثار السودانيون ضد الاحتلال الأجنبي وقاموا بانتفاضات دينية احتجاجًا على بعض
الولاة غير المسلمين. ثم ظهرت فئة المتعلمين الذين أنشأوا بعض الجمعيات السرية
المناهضة للإنجليز مثل جمعية اللواء الأبيض التي كانت تنادي باستقلال السودان. كذلك
ثار طلبة الكلية الحربية عام 1924م، واشتبكوا مع الجيش البريطاني في الخرطوم
بالسلاح الناري بما يُعرف في تاريخ السوادن الحديث بثورة 24. ولمعت آنذاك أسماء مثل
علي عبد اللطيف وعبد الفضيل ألماظ وعبيد حاج الأمين وغيرهم.
عهد الاستقلالقام مؤتمر الخريجين الذي كان يطالب بالاستقلال بالطرق السلمية، ونشأت الأحزاب من
داخل المؤتمر، وانقسم السودانيون إلى اتحاديين يرون إقامة اتحاد مع مصر مع وجود
سودان مستقل، وهذا هو الحزب الوطني الاتحادي. وفي الجانب الآخر الاستقلاليون بقيادة
حزب الأمة الذي كان ينادي بالاستقلال التام. وكان يرعى الاتحاديين السيد علي
الميرغني راعي طائفة الختمية، ويتزعم الحركة السياسية في حزبهم السيد إسماعيل
الأزهري. أما في الجانب الآخر فكان راعي حزب الأمة هو السيد عبد الرحمن المهدي، ابن
الإمام المهدي مفجر الثورة المهدية. بعد قيام الثورة المصرية في 23 يوليو 1952م،
أدى اللواء محمد نجيب، الذي كان رئيس جمهورية مصر آنذاك، دورًا مهمًا في توحيد رأي
الأحزاب السودانية في مستقبل السودان، بقبولها إجراء انتخابات لفترة انتقالية لثلاث
سنوات يجلو فيها الجيشان البريطاني والمصري عن السودان، ويقرر بعدها السودانيون
مصير بلادهم السياسي، إما استقلالاً تامًا أو وحدة مع مصر. فعقدت الانتخابات في
1953م، وفاز الاتحاديون بأغلبية مقاعد البرلمان، وشكلوا أول حكومة سودانية برئاسة
السيد إسماعيل الأزهري. ولكن، استجابة للمناداة بالاستقلال في صفوف الحزب الوطني
الاتحادي ولضغوط من جبهة الأحزاب الاستقلالية، انحاز الحزب الوطني الاتحادي
للاستقلال، وأعلن في البرلمان في اليوم الأول من يناير 1956م. وأدى الإعلان إلى
انشقاق الختمية وخروجهم عن الحزب الوطني الاتحادي، وأنشأوا حزبًا جديدًا هو حزب
الشعب الديمقراطي برعاية السيد علي الميرغني، ورئاسة السيد علي عبد الرحمن الضرير.
وإن كانت الحكومة المصرية آنذاك قد باركت الاستقلال، فإن ذلك الإعلان أدى إلى برود
في العلاقات السياسية السودانية المصرية، زاد من حدته تعثر المفاوضات حول مياه
النيل والتحرك المصري نحو بناء السد العالي بها.
ثم قام ائتلاف بين حزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطي في حكومة بعد إسقاط حكومة
الحزب الوطني الاتحادي. ورأس الحكومة الأميرالاي (بالمعاش) عبد الله خليل. ولما
ضعفت هذه الحكومة وآلت للسقوط دعا رئيسها الجيش سرًا للاستيلاء على السلطة في 17
نوفمبر 1958م بقيادة الفريق إبراهيم عبود، القائد العام للقوات المسلحة
السودانية.
شهدت الفترة السابقة لعبود، على قصرها، توسعًا في مشروع المناقل الذي ضاعف الأرض
المزروعة بالري الدائم، وسودنة الوظائف الإدارية المهمة، كما شهدت تمرد القوات
الجنوبية قبيل إعلان الاستقلال، وكانت هذه بداية حرب الجنوب الطويلة، مثلما شهدت
قبول المعونة الأمريكية بآثارها السياسية السلبية آنذاك، وأول تنازع حول حلايب بين
السودان ومصر، في عهد حكومة عبد الله خليل.
حكمت حكومة الفريق عبود السودان حكمًا عسكريًا بديمقراطية رمزية ممثلة في المجلس
المركزي الانتقالي وذلك حتى أكتوبر 1964م، حين سقطت بثورة شعبية عرفت
بثورة
أكتوبر الشعبية التي ناصرها بعض ضباط الجيش. وبالرغم من سلبياتها فإن هذه
الفترة شهدت بناء الخطوط الحديدية، والطرق البرية، وتوسعًا في التعليم، إلى جانب
تحسين العلاقات السياسية السودانية المصرية بتوقيع اتفاقية مياه النيل التي ترتب
عليها مضي مصر قدمًا نحو بناء السد العالي. لكنها شهدت تدهورًا في الجنوب وحربًا
مستمرة.
قامت حكومة انتقالية برئاسة السيد سر الختم الخليفة وإن لم تكن موفقة تمامًا
بطبيعة تكوينها المختلط إلا أنها وفقت في عقد مؤتمر مهم عن الجنوب، هو مؤتمر
المائدة المستديرة، شاركت فيه كل الأطراف، الشمالية والجنوبية، السياسية وغير
السياسية، تحت رعاية جامعة الخرطوم، عرضت فيه مشكلة الجنوب بأسلوب صريح لم يعرف من
قبل، وقدمت فيه توصيات إيجابية عن حلول مشكلته.
وعقدت انتخابات عامة أثمرت في نهاية الأمر عن قيام حكومة ائتلافية بين الحزب
الوطني الاتحادي وحزب الأمة، فصار السيد إسماعيل الأزهري رئيسًا للدولة بوصفه
رئيسًا لما كان يعرف بمجلس السيادة، بينما صار الأستاذ محمد أحمد محجوب رئيسًا
للوزراء ممثلاً لحزب الأمة، وذلك لفترة قصيرة خلفه بعدها السيد الصادق المهدي، ابن
حفيد الإمام محمد أحمد المهدي. وإن كانت هذه الفترة قد شهدت ازدهارًا اقتصاديًا
جيدًا، إلا أنها تميزت بالاضطراب السياسي، من طرد لأعضاء الحزب الشيوعي من البرلمان
ترتب عليه اشتراكهم في انقلاب مايو فيما بعد، إلى تعديلات مؤثرة في الدستور، كما
تميزت هذه الفترة أيضًا بعدم وئام بين السيد إسماعيل الأزهري والسيد الصادق المهدي،
أثمر عن سقوط رئاسة السيد الصادق المهدي والشقاق في حزب الأمة بين جناحي الإمام
الهادي والسيد الصادق المهدي وعودة الأستاذ محمد أحمد محجوب لرئاسة الوزارة مرة
أخرى ممثلاً لجناح الإمام الهادي. كما شهدت الفترة، خلال رئاسة الأخير للوزارة عقد
مؤتمر الرؤساء والملوك العرب في الخرطوم في أعقاب العدوان الإسرائيلي عام 1967م،
والذي نتج عنه إزالة الخلاف بين الرئيس عبد الناصر والملك فيصل الناتج عن حرب
اليمن، وتقديم الدعم المادي لمصر والأردن للتعويض عن الخسائر التي لحقت بهما في حرب
يونيو والإعداد العسكري للمستقبل. ولكن في مايو 1969م قام بعض