الجزء الثاني
6 - الصبر:
قال ابن القيم: ( الصبر خلق فاضل من أخلاق النفس، يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها، وقوام أمرها ).
وإذا كان الصبر ضرورياً لكل مسلم، فإنه لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أشد ضرورة؛ لأنه يعمل في ميدان استصلاح نفسه، وفي ميدان استصلاح غيره، فإن المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من ذلكم المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم.
ولقد أدرك هذه الحقيقة - التحلي بالصبر - لقمان الحكيم حينما أوصى ابنه بوصايا متعددة ضمّنها التحلي بالصبر. قال تعالى: { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأمُر بِالمَعرُوفِ وَانهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصبِر عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ } [لقمان:7].
تنبيهات
إن الناظر في هذه الصفات، وهذه المهام يجد أن أمامه عقبة لا يستطيع أن يتجاوزها، فأقول له: أربع على نفسك، وضع يدك على قلبك، فالأمر يسير لمن يسره الله عليه، ومع معرفة ما يأتي من التنبيهات يهون الأمر بإذن الله:
1 - إن استكمال هذه الصفات أمر عزيز، ولا شك في ذلك ولو كان كل واحد يتنتظر استكمال هذه الصفات لطال الزمان، ولتعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن حسبك بالواجب من هذه الصفات كالإخلاص والعلم والقدرة على التغيير، وما يبقى من هذه الفضائل يأتي مع الصبر والدعاء والممارسة، وهذا أمر مجرب.
2 - إن الإنكار في جميع الأماكن في بداية الأمر يبدو صعباً، ولا يستطيعه كل واحد، ولا شك أن الإنكار في بعض الأماكن أسهل من البعض الآخر، فالإنكار في البيت ليس كالإنكار في الشارع وفي المنتدى مع الصديق ليس كالانكار مع من لاتعرفه مثلاً ولا بد من الصبر والدعاء.
3 - إن الآمر والناهي لابد وأن يتعرض لبعض المواقف، التي ربما يجعله يرجع عن القيام بهذا الواجب، فأقول لا بد وأن تعرف أن طريق الأنبياء المرسلين ليس طريقاً ممهداً بالورود والرياحين، وأن الجنة محفوفة بالمكاره والمخاطر، ولنا في نبينا عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة.
4 - إن الصحبة الصالحة من أهم الأمور المعينة على القيام بهذه الشعيرة العظيمة، فاحذر اخي المسلم - أختي المسلمة أن تصاحبو ضعاف الهمة والخاملين ، فإنك إن صحبتهم فلن تفلح أبداً:
يقول الشاعر:
قد هيؤك لأمر لو فطنت له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
"وهنا نحثكم على التعاون فيما بينكم الاخوة بين بعضهم والاخوات مع بعضهن البعض للامر بالمعروف والنهي عنالمنكر بالحكمة والموعظة الحسنة وعليكم ان تجتمعوا على الخير وان تكون قدوة في ذلك من حيث مشاركاتكم ومواضيعكم وردودكم وبياناتكم وتوقيعاتكم فهي مهمة لمن تريد ان تدعوه "
مراتب التغيير
أخي الكريم -أختي الكريمة :
إن من رحمة الله سبحانه وتعالى أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها، وهذه قاعدة متينة من قواعد هذا الدين العظيم، وتصوروا لو كان الأمر بالإنكار لكل الناس باليد لحصل من الشر والبلاء والتطاحن بين الخلق ما لا يحصى شره إلا الله وحده... ولهذا قال النبي : « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان » [رواه مسلم].
فهذا توجيه نبوي بإنكار المنكرات ولكن كلٌ على حسبه كما يلي:
المرتبة الأولى: الإنكار باليد وهو مشروط بالقدرة، وعدم ترتب مفسدة أكبر من جرّائه، وليس لكل أحد الإنكار باليد إلا لمن توفرت فيه بعض الشروط ، فإذا رأيت أنك لا تتمكن من تغييره بيدك إما لعدم قدرتك على ذلك، أو خشيت ترتب مفسدة أكبر من المصلحة المرجوة، فإنك تنتقل بعد ذلك إلى:
المرتبة الثانية: وهو الإنكار باللسان وإنما تنتقل إلى هذه المرتبة إذا عجزت عن التي قبلها، وهذه المرتبة أيسر ولا شك، والذي ينبغي في هذه المرتبة هو التغيير بحسب قول الله تعالى: { ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ } [النحل:125] فإذا عجزت عن الإنكار باللسان فإنك تنتقلين إلى:
المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب وهي أدناها ولا شك، ولا رخصة لأحد في تركه أبداً، وضابطة هو الإيمان بأن هذا منكر، وكراهته والاستمرار في كرهه وبغضه، فإذا لم يكن الإنكار بالقلب فهذا دليل على عدم الإيمان، ودليل على موت القلب والعياذ بالله؛ لأن الإنكار بالقلب هو آخر حدود الإيمان.
بعض الخطوات العملية للإنكار والأمر في المنتديات
أولاً: التعريف، فإن الجاهل يقوم على الشيء لا يظنه منكراً، فيجب إيضاحه له، ويؤمر بالمعروف ويبين له عظم أجره وجزيل ثواب من قام به، ويكون ذلك بحسن أدب ولين ورفق.
"واقول لمن يشاركنا في هذه الحملة أن يراسل الاعضاء الذين يقعون في منكر في هذه المنتديات ويبين لهم حكم ما وقعوا فيه باللين والكلمة الطيبة والرد عليه بكلام طيب ولو سبك وشتمك "
ثانياً: الوعظ؛ وذلك بالتخويف من عذاب الله عزّ وجلّ وعقابه وذكر آثار الذنوب والمعاصي، ويكون ذلك بشفقة ورحمة له.
"وكما اوردت أنفا ذكر المخطئ مثلا من يضع صور بعض النساء في تواقيعه وبين له أن كل من ينظر ستحمل وزره وكل من نسخ وأرسل في النقال او ما شابه ستتحمل وزره نشرك هذه المعصية ومن هذاالقبيل وما يتطلبه الموقف "
ثالثاً: الرفع إلى أهل الحسبة إذا ظهر عناده وإصراره.
"وهنا يتمثل في رفع الامر الى المراقبين والمشرفين عند وجودك لموضوع او رد فيه إستهزاء بالدين او الصالحين او الانبياء او الصحابة او اي شعيرة من شعائر الدين او اي منكر تكون هناك قدرة لازالته من قبل المعنيين "واتقو ا الله ما استطعتم ""
رابعاً: التكرار وعدم اليأس فإن الأنبياء والمرسلين أمروا بالمعروف وأعظمه التوحيد، وحذروا من المنكر وأعظمه الشرك، سنوات طويلة دون كلل أو ملل.
"فالبعض احيانا يمل من كثرة تذكير بعض الاعضاء او المشرفين فهمكل ما ينصحون يجدون كلمة الشكر والقبول ولكن بعد فترة تجد الامر يتكرر وهذا مجرد مثال فيمل البعض من ذلك ولكن على الامر بالمعروف والناهي عن المنكر ان لا يمل فهو يقوم بشعيرة ويحتسب الاجر من الله ولعل الله ينفع بك ولو بعد حين "
خامساً: إهداء الكتاب والشريط النافع.
"وذلك عن طريق ارسال رابط لمحاضرة صوتية او مقال رائع او كتاب قيم يبين خطر معصية او بدعة او ماشابه ولن نعدم افكاركم في نشر الخير "
سادساً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستوجب من الشخص الرفق والحلم، وسعة الصدر والصبر، وعدم الانتصار للنفس، ورحمة الناس، والإشفاق عليهم، وكل ذلك مدعاة إلى الحرص وبذل النفس.
"نعم على العضو والعضوة تذكر انه لا يفعل هذا الامر لاجل نفسه ولكن يستشعر ان الامر لوجه الله ويرجوا به الثواب والمغنم ونصرة دين الله فلا يحزن من ردة فعل غير متوقعه ولا نعامل من ننصحه بمثل بمعاملته فقد تجد من أحد الاعضاء وانت تدعوه للمعروف يسبك او يشتمك او يقول لك كلام غير طيب فلا تغضب ولاتحزن فالجنة أغلى مما يعيق .. لا عليك من ذلك وقوله كلمة طيبة لعلها تؤثر فيه ولو بعد حين "
مبشرات
أخي المسلم - أختي المسلمة:
إن القائم بهذه الشعيرة والذي حمل على عاتقه الهمّ الأعظم، ألا وهو همُّ الدين ومرضاة رب العالمين فأقول إنه، قد انتظم في سلك الفالحين، وسلك طريق الأنبياء والمرسلين، واعلم أن الله لم يأمرنا بما فيه مضرة محضة، وإن كان ظاهر هذه الشعيرة غير هذه الحقيقة، فمن كان همته ورغبته متعلقة بالعرش، ويرغب في مرضات ربه، فليعلم أن الراحة الأبدية في جنات الخُلد، لا في هذه الدنيا
فإليكم هذه البشارات والمحفزات لعل الله أن ينفع بها:
التشبه بالرسل، والقيام بدعوتهم، والسير في طريقهم.
النجاة من العذاب الدنيوي والأخروي، وحينما يحل العذاب بقوم ظالمين، فإن الله ينجّي الذين ينهون عن السوء. كما قال تعالى: { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيناَ الذَّيِنَ يَنهَونَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذنَا الذَّيِنَ ظَلَمُواْ بِعَذَابِ بَئِس بِمَا كَانُواْ يَفسُقُونَ } [الأعراف:165].
الخروج من عهدة التكليف، ولذا قال الذين حذروا المعتدين في السبت من بني إسرائيل، لما قيل لهم { لِمَ تَعِظُونَ قَوماً اللهُ مُهلِكُهُم أَو مُعَذِّبُهُم عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعذِرةً إِلَى رَبِّكُم } [الأعراف:164] فالساكتة عن الحق مؤاخذة، ومتوعدة بالعقوبة، كما أنها شيطان أخرس.
إقامة حجة الله على خلقه قال الله تعالى: { رُّسُلاً مّبَشِّرينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةُ بَعدَ الرُّسُلِ } [النساء:165].
أداء بعض حق الله عليك من شكر النعم التي أسداها لك، من صحة البدن، وسلامة الأعضاء، يقول النبي : « يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة... وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة » [رواه مسلم].
هذا بالإضافة إلى الكثير من الفضائل والفوائد التي لا يحصى عددها إلا الله، والتي تعود بالنفع للفرد والمجتمع كرجاء استقامة الأفراد، ورفع العقوبات العامة عن المجتمع.
اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر، المقيمين لحدودك. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أسأل الله أن ينفعه بها، وأن يجعل العمل خالصاً لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم