بسم الله الرحمن الرحيم
قد أمر الله بالنكاح في عدة آيات فقال تعالى : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا وءاتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " النساء : 4 ،
" وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وءاتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ، وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا " النساء : 20-21 ، وقال : " أن تبتغوا بأموالكم " النساء : 24 ،
وذكر قصة تزوج موسى لابنة صاحب مدين على أن يأجره ثماني أو عشر حجج ،
وقال : " وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيراً " النساء : 19
" ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " البقرة : 228 الآية .
فدلت هذه الآيات على الأمر بالتزوج وجوبا أو استحبابا بحسب الأحوال ،
وحث على تخيّر النساء الكُمّل ، " فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله " النساء : 34 .
وقال صلى الله عليه وسلم : " تُنكح المرأة لأربع : لمالها وجمالها وحسبها ودينها ، فاظفر بذات الدين تربت يمينك " ، وذلك لنفعها زوجها في دينه ودنياه ، وحفظها نفسها وماله وحسن تدبيرها ونفعها للعائلة وتربية الأولاد تربية دينية .
وأباح للرجل أن يتزوج أربعة من الحرائر ، ومن الإماء ما شاء بملك اليمين ، وحث على الاقتصار على واحدة عند الخوف أو الظلم .
وأمر بإيتاء النساء صَدُقاتهن ، وأن المهر يصلح بالقليل والكثير والأموال والمنافع ، وأمر من عنده يتيمة وهو وليها أن لا يظلمها ، وأنه إن رغب في نكاحها فعليه أن يقسط لها في مهرها فلا ينقصه عما تستحقه ، ومن رغب عنها أن لا يعضلها ويمنعها الزواج حتى تعطيه شيئا من مالها ، أو حتى يُعطى من صداقها فإن هذا ظلم ، بل عليه أن يجتهد في مصلحتها كما يجتهد لبناته ، وأن المرأة إذا كانت رشيدة وطابت نفسها له بشيء من صداقها ، فله أكله بلا حرج إن لم يكن ذلك بسبب عضله لها ، فإن عضلها ظلماً لتفتدي منه بما آتاها أو ببعضه ، فقد أتى إثما عظيما .
وبيّن تعالى أن الحكمة في ذلك أنه كيف يأخذه وقد استوفى المنفعة وأفضى بعضهم إلى بعض ، ( وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) النساء : 12 وهو التزام الزواج المتضمن للقيام بجميع الحقوق التي أولها إيفاء الصداق ، وإنما ينتصف الصداق إذا طلق قبل الدخول وقد فرض لها مهرا ، فلها نصف ما فرض إلا إن عفا أحدهما عن نصفه فيكون للآخر . ففي هذه الآيات أن الصداق ملك للزوجة ، وأنه يتقرر كله بالدخول وكذلك بالموت لتمام وقته .
وأمر تعالى كلا من الزوجين أن يُعاشر الآخر بالمعروف من الصحبة الجميلة اللائقة بأحدهما وكف الأذى ، وأن لا يمطل كل منهما بحق الآخر ، ولا يتكره لبذله ويدخل في المعاشرة بالمعروف أن النفقة والكسوة والمسكن وتوابع ذلك راجع إلى العرف إذا اختلفا في تقديره وتحديده ، وأنه تابع ليسر الزواج وعسره ، قال تعالى : " لينفق ذو سعة من سعته ومن قُدِر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها " الطلا ق : 7
وقد أرشد الله وحث على الصبر على الزوجات ولو كرهها الزوج ، فعسى أن يكون منها خير كثير يبدل الله الكراهة بالمحبة ، وتتبدل طباعها أو يرزق منها أولاداً أو يكون له من مقارنته وصحبتها وتوليها لماله مصالح كثيرة .
وقوله : " وءاتيتم إحداهن قنطارا " النساء : 20 ، يدل على جواز كثرة المهر ، مع أن الأولى السهولة فيه وفي غيره فخير النساء أسهلهن مؤنة .
وقد حرم تعالى من الاقارب سبعا : الأمهات ، وهن كل أنثى لها عليك ولادة ، والبنات وهن كل أنثى لك عليها ولادة ، والأخوات من كل جهة ، وبناتهن وبنات الإخوة وإن نزلن ، والعمات وهن كل أنثى أخت لأبيك أو لأحد أجدادك ، والخالات وهن كل أنثى أخت لأمك أو لأحد جداتك ، وما سواهن من الأقارب حلال ؛ كبنات العم وبنات العمات وبنات الأخوال وبنات الخالات ، ويحرم من الرضاع نظير ما يحرم بالنسب من جهة المرضعة ، ومن جهة زوجها الذي له اللبن ، وأما من جهة الطفل الراضع فلا ينتشر التحريم في الرضاع إلا عليه وعلى ذريته .
وحرم تعالى من الصهر أربعا : ثلاث بمجرد العقد وهن أمهات زوجاتك ، وحلائل أولادك ، وحلائل آبائك ، وبنات الزوجات إذا دخل بأمهن ، فإن لم يدخل بها فلا جناح عليه في الربائب .
وحرم تعالى الجمع بين الأخوات ، وحرمت السنة الجمع بين المرأة وعمتها ، وبينها وبين خالتها ، وحرم المملوكة على الحر إلا إذا عدم الطول وخاف العنت وهي مسلمة .
وحرم على المسلم نكاح الكافرة والإمساك بعصمتها إلا المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى ، وحرم إنكاح المسلمة للكافر ، وحرم نكاح الزانية حتى تتوب ، ومن طلقها ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره نكاحاً صحيحاً ويطأها ويطلقها وتنقضي عدتها .
وقوله تعالى : " وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين " الأحزاب : 50 ، صريح على أنه ليس للمؤمنين أن ينكحوا إلا بمهر مسمى أو مفروض بعد ذلك ، وأنه إذا شرط نفيه لغى الشرط ، وهل يبطل مع ذلك النكاح أو يجب مهر المثل مع صحة العقد . فيه قولان لأهل العلم ، وهذا أيضاً يدل على تحريم نكاح الشغار بأن يزوج كل واحد الآخر موليته ، ومهر كل واحدة بضع الأخرى .
وقد ذكر الله أنه لو تزوجها ولم يفرض صداقا ثم يطلقها قبل المسيس ، أن لها المتعة على الموسع قدره وعلى المقتر قدره .
وأما متعة الزوجة المطلقة في غير هذه المسألة فإنها سنة مؤكدة كما قال تعالى : " وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين " البقرة : 241 .
وقد ذكر الله خطاب الأولياء في شأن النساء في عدة مواضع ، مثل قوله : " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " البقرة : 232 ، وذلك دليل على اعتبار الولي في النكاح ، كما أن قوله : " وأخذن منكم ميثاقا غليظا " النساء : 21 ، دليل على الإيجاب والقبول ، لأن من جملة الميثاق الغليظ إيجاب النكاح وقبوله المتضمن للقيام بجميع حقوق الزوجية ومنه المهر وتوابعه . وفي قوله : " إذا تراضوا بينهم بالمعروف " البقرة : 232 ، دليل على اعتبار رضى الزوجين وأن ذلك التراضي مقيد بالمعروف ، فلو رضيت غير كفو لها فلأوليائها منعها من تزوجه .
وقد أمر الله الزوج إذا نشزت زوجته أن يعظها ويهجرها في المضجع ، فإن لم تعتدل أن يضربها ، وأنه إذا خيف الشقاق بينهما وخيف ألا تقبل الحالة الاتئام أن يجتمع حكمان : واحد من أهل الزوج ، وواحد من أهل الزوجة ، فينظران في الاجتماع بينهما إن أمكن بطريقة من الطرق ، إما ببذل عوض أو إسقاط حق من الحقوق أو بغير ذلك ، فلا يعدلا عن ذلك وإلا فلهما التفريق بينهما بخلع أو بتطليق بحسب ما تقتضيه الأحوال . والله أعلم
فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام المستنبطة من القرآن
للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ص 144 .