بسم الله الرحمان الرحيم
للشيخ سفر الحوالي:
يا شام هل يحجز الأشواق قضبان؟ أم يحجب الطيف أسوار وجدران
قد استوينا فكـل رهـن محبسـه للظلم من حولـه سوط وسجان
لنـا إذا هبت الأنسـام لاعجـة من حرقة الوجد فالأكباد نيران
يغشى الأسى ناظرينا كلما ومضت في الأفق بارقة تخبو وتزدان
إذا تـألق فـي عليـائهـا أمـلٌ هوى إليه هوىً وانساب ألحان
لا عتب أن فـرقتنا للنوى سبـل فالدهر ذو دولة والوصل ميان
وهـكـذا تنضب الأرواح نازفـة بكل جرح مرارات وأشطان
لـم يبق إلا صبـابـات نجاذبهـا لا ترتوي فالجوى باليأس حران
نباكر الغَمَّ في الإصبـاح متقـداً وفي العشية آهات وأشجان
تطير أرواحنا شوقاً ولـو قـدرت طارت إليكم مع الأرواح أبدان
أنتم ندامى الهوى ما للهوى بـدل منكم إذا سامر المشتاق ندمان
لسنا من الحب في شيء لو انصرفت عنكم صبابتنا أو ضل وجدان
نسلـو الحياة ولا نسلو تذكركـم وهل تداوى بغير الذكر ولهان
وحسبكم أنكم في القلب مسكنكم حيث الأسى راتع واليأس حيران
عـسى تراسـلُ أشـواقٍ يعللنـا وربما خفتت بالشوق أحزان
أواصر الحب كـلُّ الحب تجمعنـا رغم القيود أما قد قال حسان :
إما سألت فإنـا معشـر نـجب الأزد نسبتنا والماء غسان
وكل ناعورة بـالشام نـادبـة عهد الوصال فهل للهيض جبران
* * *
الله أكبـر! هـذا الظلـم فرقنـا وللمقادير إيلاف وإظعان
كأنه لـم يكن بالـمرج مرتعنـا ولم يكن في ربى جيرون جيران
ولم يكن في الثغور الغر مرصدنـا وفي المضائق حراس وسكان
وفي السواحـل نيـران وأربطـة وفي الجزيرة أحباب وإخوان
وفي المـدائـن أنسـاب مؤلفـة وفي العشائر أصهار وأختان
وأعذب الحب ما كـانت موارده بـالقدس ، أواه هل للقدس نسيان
* * *
يا شام يا معقل الإسلام ما ركضت بلق الخيول ومد الظل أفنان
إذا تضاءل هـذا الحب عن بلـد ففي مرابعكم فيء وأكنان
تالله ما الغوطة الغناء منيتنا وفي مسارحها للحسن غزلان
ولا رسـوم لأجداد بسـاحتكـم إذ كان يملكها أزد وزهران
ولا صبا بردى يسبي مشاعرنـا لكنما حبكم دين وإيمان
* * *
من البراق أصول الحبّ قد بزغـت وقد أضاءت لها بصرى وحوران
إذا سرى الطيف منكم وانثنى سحراً يهيج بالقلب للإسراء عنوان
لله حـبٌ، رسـول الله أسسـه وهل لنا غيره أس وأركان
وقـام من بعده الصديق يـورده والشرق والغرب نيران وصلبان
بعـزمةٍ عـقد الـرايات مـرتقباً بشرى الرسول وأمضى وهو عجلان
وقال: إن لم نبادرهم بـمعمعـة تنسي الحلومَ فلا كنا ولا كانوا
والدهر ما عزم الصديق مرتجـف والأرض مائدة والبحر طوفان
إذا تـحنن فالإعصـار مرحـمة وإن توعد فالأنسام حسبان
يعطي وليس لـمخلوق عليـه يـد إنفاقه حسبة، والعتق إحسان
دع ليلة الغار فالقـرآن خلـدهـا تقاصرت همم عنها وأزمان
* * *
والروم قد أثخنت في الفرس عن حنق فـالشام قلب وباقي الملك جثمان
حـلاوة النصـر لا زالت تـداعبهـا ونشوة النصر في الطغيان طغيان
لكن قلب هرقل َ واهـن وجـل تصارعت فيه أنوار وأوثان
لديه من سابق الأخبار عـن سـلفٍ من النبوات آيات وبرهان
شمس الـرسالة هـذا حين مطلعهـا فلتبتهج بسنا الرحمن أكوان
"ساعير " و"الطور " للإسـلام تقـدمـةٌ والنور تعلنه في الأرض "فاران "
والله يختـار مـما شـاء مرسلـه والخلق ليس لهم رأي ولا شان
والملك في فـرع إسـماعيل منتقـل حتماً ولو كرهت روم ويونان
ملك الختان بدا في الأفـق شـاهده فبان أن الملوك القلف قد بانوا
وأخمدت نار كسرى حين مشرقـه واهتز بالشرفات الشم إيوان
تـلا كتـاب رسـول الله في أدب وقال للروم والأرصاد حيطان:
هذا الرسول الـذي كنـا نؤملـه فالعين نائمة والقلب يقظان
وهذه الشام للمبعوث عاصمـة للسيف ظل وللزيتون أغصان
إن اتبعنـاه فـالدنيـا لنـا تبـع وسائر الناس خدام وولدان
وإن أبيـنا فـأمـر الله غـالبنـا وملكنا ضائع والسعي خسران
* * *
نعمْ! "هرقل ُ" لقـد أسـمعتَ ذا صمـم لو كان للقوم آذان وإذعان
أبت بطارقة الرومـان مـوعظـة وغلّ أحلامهم كبر وبهتان
والكبر ما كان في طياتـه حـسـد فشر وادٍ تردى فيه إنسان
إلا "ضغاطر " إن الله أكـرمـه وقال: يا قوم إن الحق فرقان
محمد نحن في الأسفـار نـعرفـه فكيف يوبقنا في الكفر نكران
تواتـرت عندنـا أنبـاء بعثـتـه فالخلق ينتظرون الإنس والجان
لولاه ما هاجر الأحبار واصطبـروا على لظى يثرب والشام أجنان
وللـنبـوة أعـلام إذا نشـرت أصغى وأبصرها بكم وعميان
وحي يصدق بعضاً بعضـه أبـداً توراة موسى وإنجيل وقرآن
والحـق أولـه مـهـد لآخـره جبريل ناموسه والرُّسْل إخوان
تقـدس الله أن يـدعى لـه ولـد أو أن يكون لـه ندٌ وأعوان
وكلكم عارف ما قلت فـاتبعـوا حكيمة النمل إذ وافى سليمان
فـأشعياء حكى أوصـاف طلعته كما حكى صورة بالرسم فنان
ودانيال فقد جاءت نبوتـه نصاً كما يبصر الإنسانَ إنسان
وفي المزامير يـأتي أحـمد فـإذا كل الجزائر والأنهار خضعان
وسـوف تُخدِمـه أقيالَهـا سبـأ وسـوف تتحفه بالورد لبنان
ويهرع الناس نـحو البيت عاريـة أطرافهم ولهم عج وألحان
تهـدى إليـه قـرابـين مقلـدة تسوقها حسبة مصر ومديان
وفي شـكيم لـه جـيش ذوو غـرر يقتص مما أراقت قبل رومان
وأرض بابل يعنو سـحرهـا هـلعـاً إذا ترنم بالتهليل عربان
هم أمة الحمـد والتكبير ديدنـهم إذا علوا شرفاً أو لاح علوان
وفي النهـار ليوث لا يسـاورهـا غمر وهم في ظلام الليل رهبان
هذا هو الملكوت الحق قد بـزغـت أنواره فالدجى المبهور وسنان
كـأنني أبصـر الأمـلاك تحملـه وهم صفوف لمبداه وفرقان
وذا المبارك باسـم الـرب مقدمـه بنوره محفل الأملاك زهوان
تمت على الحجر المـرفوض نعمتـه فصار تاج الذرى والدين بنيان
أيخفـض الله بنيـانـاً ونـرفعـه؟ ويصطفي الله مختاراً ونختان
ويبتـلي الله تقـوانـا فيلـبسهـا من التعصب إغماط وشنآن
* * *
فمزقوه وقـد كـان الإمـام لهـم لكن تملكهم بغي وأضغان
كانت دمشق تـرى هـذا وتسمعـه كذاك أصغت لقول الحبر جولان
وكـل مؤتمـر في أي مـحتضـر غير السقيفة أسمارٌ وبطلان
بكى هرقل ولكن كـان ذا جلـد وقال قولـة نصح وهو لهفان
يا أيها الروم إن لم تسلمـوا فلنـا في الصلح خير وبعض المر حلوان
وملك أحمد حـد الشمس مبلغـه والترك من جنده والصين أقنان