ألصحافة أم العمالقة!!
من منا لم يمسك جريدة في يده متصفحاً مواضيعها ورقة ورقة ومقالة مقالة وخبر خبر؟ فجميعنا استمتعنا بها منذ تعلمنا الف باء اللغة العربية وحاولنا منذ نعومة أظفارنا أن نقلد آبائنا ومن هم أكبر منا وجلسنا نقلب الصفحات التي هي أكبر من أذرعنا في حينه! تنامت وكبرت تلك الرغبة وذلك الاهتمام بنمونا وتفتح عقولنا وتطور ثقافتنا وبتنا نحلل الخبر ، وننفعل من مقالة ونتفاعل مع أخرى ونرفض طرحاً وننتقد آخر فمداركنا أصبحت تميز كل ما يتم طرحه في الصحف والمجلات بحيث بتنا نميز المحررين الصحفين وكبار الكتاب الاعلاميين من أسلوب طرحهم وطريقة كتابتهم من غير ما ننتبه لأسمائهم المرفقة للمادة الخبرية أو النقدية أو التحليلية .. فنتقرب ونسارع بقراءة ما كتب ( س ) منهم وننفر ونتجاوز كتابات ( ص ) .. ومع هذا التطور المتسارع لمفهوم الصحافة غزت أفكارنا وأدمغتنا تساؤلات حول ماهية الصحافة .. هل هي مهنة؟ أم حرفة؟ أم فن؟ أم ماذا؟ ولغرض توضيح هذه التساؤلات لمن يهمه معرفة ذلك وفي دواخله نزعات فضلوية ( صحفية ) وددت أن أوضح تلك الأمور وافض الاشتباك فيما بينها ..
فإن الحوار حول فنية الصحافة وحرفيتها واعتبارها صناعة مما يعكس المفهوم العام لمعنى الصحافة كنها الإعلام ، إلى جانب ما يعكسه من اهتمام خاص بالجريدة والمجلة .. إن الحيرة التي يقع فيها البعض حينما لا يكاد التفسير عن حقيقة ماهيتها كفن او حرفة أو صناعة من إعطاء كامل التصور ، وهي يمكن أن تدور حول معظم وسائل الإعلام تسير في نفس دوائر النقاشات .. لا بأس من ذلك فإن الصحف من جرائد ومجلات منحت الحضارة الحديثة معنى للإعلام المعاصر ، وتعتبر الصحافة هي الأم بمعناها العميق حيث نشأ من أبنائها من فاقها في بعض الوجوه ومن اختلف عنها في الملامح والسمات اختلافاً جوهرياً ، كالإذاعة التي اعتمدت على الكلمة المسموعة بدلاً من الكلمة المكتوبة ، وكذلك التلفاز الذي أضاف للكلمة المسموعة الصورة الواقعية المتحركة ومعها السينما .. ثم مع تطورات العلم والتكنلوجيا نشأ حفيد جديد للصحافة ألا وهو الصحافة الالكترونية ضمن مواقع محددة في الشبكة العنكبوتية ، ولا عجب إذ ظهر جيل آخر من الأحفاد الآخرين للأم الأصلية الصحافة .. الشيء الذي لابد من ملاحظته أن كل هذه المسميات مشدودة ببعضها بذات الخيط الذي يربطها بالأم الأصلية وهي الصحافة متفرعة لجزئين الأول يمثل الشكل والثاني يمثل المضمون .
لقد أخذت مختلف سائل الاعلام أشكال التحرير الصحفي والاعلان الصحفي والاخراج الصحفي وفصلته على نفسها ، كما أخذت الخبر الصحفي وما يشتق عنه من تقرير صحفي والذي يشمل التحقيقات واللقاءات الصحفية وتفرعاتها .. البعض يرى الخبر الصحفي بأنه بمثابة الرابط الذي يربط مختلف وسائل الاعلام ، إلا أن تلك ماهي ألا نظرة جزئية وعدم رؤية الجزء في إطار الكل ، فإن الصحف كوسيلة إعلام تعتمد على الخبر وما يشتق عنه من فنون التحرير ولاتقف روابطها بوسائل الاعلام الأخرى عند حد المضمون وإنما تتجاوزها إلى الشكل ، كما إن توجه الصحف لاستخدام كل الفنون الجميلة والتصاميم الحديثة يشكل مورداً نهلت منه وسائل الاعلام الأخرى دون أن يبعدها ذلك عن ساحة الاعلام ويدخل بها ساحة الفن والصرف . ومن الجدير بالذكر أن الصحف سبقت كل وسائل الاعلام الأخرى وبما فيها وسائل الاعلام التكنولوجية كالإذاعة والتفاز والسينما وحتى الانترنت ، وعلى الرغم من الأساليب الحديثة المستخدمة فيها لتظهرها على شكل عمالقة فإن الصحافة أبت على أن لا تتخلف عنهم وظلت مسيرتها الطويلة تضيف في كل يوم قارئاً جديداً وسطراً جديداً وفناً جديداً مما يجعلها بالتأكيد أماً لأولئك العمالقة وتضيف إلى سطوتها السابقة لوجودهم سطوة أكبر وأقوى ، لا بل ضمت تحت جناحيها إهتمامات متزايدة للمذياع والتلفاز والسينم والمسرح والشبكة العنكبوتية والكتاب مما يؤكد وسيلة الاعلام الأم ، فعلى صفحاتها تنتقد كافة وسائل الاعلام الأخرى .
إن الصحف أعطت وأخذت وأثرت وتأثرت ولكن بدرجات متفاوتة مع مختلف وسائل الإعلام وفي مختلف وسائل الإعلام ، وبرغم كل التطورات الحاصلة في وسائل الاعلام المذكورة ، ظلت وظائف الصحافة الرئيسية تشمل .. الأخبار ، التثقيف والتوجيه ، الوصف والتفسير ، التسلية ، الإعلان عن التسويق والذي يشمل أخبار السوق وجزءً من العملية التسويقية للبضائع والخدمات ، إلا أن الوظائف هذه لا تسير على وتيرة واحدة في أغلب الصحف وفي كل المجتمعات ومن ثم برز الاهتمام بضرورة وضع إطار شامل للإعلام في المجتمع وفلسفته ، وهو ما تم الإطلاق عليه وصف نظريات الاعلام وهي بدورها تختلف من مجتمع لآخر بحسب إختلاف أجواء حدوثها .