عندما يكون المرء مسؤولا عن جهاز إعلامي مثل القناة الفرنسيّة الخامسة وعندما تكون له مسؤولية إعلامية عالمية يضطلع فيها بعبء إعلام مختلف عمّا تقدّمه وسائل الإعلام السائدة وعندما يكون إلى جانب ذلك مناضلا متواضعا في حقوق الإنسان يحق له أن يتساءل عن السّبيل الأمثل الذي يجعل من التلفزة بما تمثّله من نفوذ وسيلة أساسيّة لبيداغوجيّة حقوق الإنسان والدّيموقراطيّة. يبدو السّؤال سهلا من الوجهة النظريّة لكن فلنطرحه معا من جوانبه اليوميّة حتى نقف على الصعوبات و الشكوك التي يثيرها.
لن أتعرّض إلى مسائل حرّية الصحافة وحرية الإعلام وحرية تنقّل المعلومات فهي بديهية بالنسبة إليّ. تلك حقوق أساسيّة وجوهريّة يجب أن نكون حريصين على الذّود عنها حيث ما كانت مهدّدة. ولكن ليس هذا موضوعنا الآن... سأطرح ما تقتضيه بيداغوجيّة حقوق الإنسان في الصحافة وفي التلفزة وسأهتم بصفة خاصة بالتلفزة وهي الحرفة الوحيدة التي أعرفها.
إنّ التّلفزة وسائر وسائل الإعلام أدوات للإعلام وللتربية وللترفيه أيضا. وعلينا باعتبارنا إعلاميين أن نؤكّد على النّفوذ الذي نمتلكه إزاء مستمعينا ومشاهدينا وقرّائنا مما يعني أنّ لدينا مسؤولية تتجاوز ما نتصوّره. علينا أن نذكر دائما بأنّ على وسائل الإعلام أن تكون مصغية إلى الآخر وحاملة لحوار ديمقراطي أي منفتحة للنّقاش وللإصغاء للرّأي الآخر ومتفتّحة على الحوار.
عندما يكون المرء مسؤولا عن وسيلة إعلامية عالمية مشاهدوها من واغادوغو أو من تونس أو من هانوي أو من بيونس آيرس عليه أن يجد السبل التي تمرّ عبرها البيداغوجية الدّيمقراطية وهذه أشياء تمرّ أيضا عبر البرنامج الترفيهي والبرنامج الثقافي والبرنامج الأدبي حين يجتمع أدباء أو رجال سياسة ذوو أفكار متضاربة. وهذا أهمّ محور في قناة شمولية. إنّ بيداغوجية الحوار أو بيداغوجيّة الدّيمقراطية أهم وأنجع من خطاب يبث يوميا لتفسير حقوق الإنسان.
علينا أن نعوّد المتفرجين على شيء آخر، علينا أن نعكس الآية فقد آلت وسائل الإعلام وخاصّة التلفزة إلى مزالق. أضحت وظيفة التلفزة ترفيهية بالأساس وهو ترفيه ذو نمط واحد أمريكيا كان أو هنديا أو صينيا. ثم بعثت بعض القنوات الإخبارية العالمية مثل س.ن.ن أو الجزيرة أو ب.ب.س ولكن غالب هذه القنوات تبث رؤية معينة دون المعادلة بين وجهات النظر ودون انفتاح ودون إبراز للرأي الآخر ذاك الذي يثير التفكير فالفضول.
أعتقد أنّ للإعلاميين مسؤولية جسيمة في إنماء فضول القراء والمستمعين والمشاهدين وتفهمهم للآخر وما يجدّ. أقول ذلك لأني من الذين يرون فيما يقع في العالم جانبا يدفع على التفاؤل. إن ما حدث منذ 11 سبتمبر يتنزل في خانة المفارقات. فمنذ ذلك التاريخ برزت وضعية تتسم بالتناقض الصارخ في علاقة الجمهور بوسائل الإعلام في كافة أرجاء العالم. بعد 11 سبتمبر طغت القوة الأمريكية الضاربة بشكل يسمح بكلّ الانحرافات الإعلامية معلنة عهد الخطاب الأحادي الجانب حتى أصبحت الولايات المتحدة وهي أكبر الدول ديمقراطية وأكثرها إسداء للدروس لغيرها في هذا الميدان، لا تحترم حقوق الإنسان ويمكن أن نسوق عدّة أمثلة عن ذلك من خلال قراءة للأنباء في س.ن.ن .
تولّد لدي شعور من خلال تجربتي في القناة ت. ف. 5 أنّه بموازاة هذا المدّ المهيمن نمت لدى الجمهور حاجة ملحّة لفهم العالم. و سآخذ كمثال على ذلك القناة ت. ف. 5 وهي قناة في منافسة حادة مع س.ن.ن . فقد فوجئنا خلال العامين الفارطين بتصاعد مطرد لعدد مشاهدينا وخاصّة في بلدان لم نكن نتوقع أن نشهد فيها مثل هذا التّصاعد كالولايات المتحدة و أنجلترا و جنوب أفريقيا و اليابان علما و أن قناتنا لم تكن حاضرة في هذه البلدان قبل عامين ونصف. إن قناة ت. ف. 5 حاضرة اليوم بشكل قوي ومحسوس بالولايات المتحدة وهي تشهد تناميا مطردا لمشتركيها بانجلترا إذ أوصت بمجموعة أوردوك قناتنا لمجمل العائلات الإنجليزية وقد دخلنا 8 ملايين بيتا في اليابان وفي جنوب إفريقيا. ونحن نرى في ذلك تعبيرا عن تعطّش لفهم ما يجدّ بالعالم وهذا مدخل لا بد من استغلاله من أجل بث قيم حقوق الإنسان والحوار الديمقراطي وتفهم العالم على تعقيداته. فنحن نعيش في عالم معقد تحتل فيه الأنباء مكانة لا عهد لها بها. وقد تأكدنا من ذلك أثناء الحرب الأخيرة في العراق لمّا حوّلنا قناتنا إلى قناة أخبار بدون انقطاع لمدّة 6 أسابيع.
حاولنا أن لا تكون قناتنا قناة أخبار بدون انقطاع على غرار س.ن.ن . كان همنا خلق أسلوب إعلامي جديد لا يتحقق عبر الأنباء فحسب بل أيضا عبر النقاش بين الخبراء و الأشخاص المعنيين و عبر التحقيقات. وقد حرصت كل الحرص أثناء الحرب أن تبث القناة إلى جانب الأنباء تحقيقا عن بلاد ما بين النهرين تذكيرا للمشاهدين بأن للعراق تاريخا أكبر وأعرق من صدام حسين، حرصت على تقديم صورة عن المثقف الفلسطيني فكنا القناة الوحيدة التي قدّمت برنامجا عن الفيلسوف والكاتب الفلسطيني الكبير إدوارد سعيد الذي توفي مؤخرا بالولايات المتحدة، كما قدّمنا تحقيقا عن الأمم المتحدة ابتداء بعصبة الأمم حتى نعطي فكرة عن التطورات الحديثة. كل هذه البيداغوجية مهمة وهي مسؤوليتنا وقد يبدو الأمر بعيدا بعض الشيء عن حقوق الإنسان والحال أننا في صلب الموضوع. فأنا من الذين يؤمنون بعدم وجود إعلام محايد. فكما توجد أنباء صادقة أو كاذبة توجد أنباء هدامة للقيم وأنباء بنّاءة. ولكن الأهم هو قراءتنا للحدث وترتيبنا للأنباء سواء تعلق الأمر بقناة عالمية أو بقناة وطنية. بأيّ نبأ نبدأ أيّ نبأ يتصدر الأحداث في أخبار القناة فرنسا 2 ؟ إنّه بكل تأكيد نبأ انسداد حركة المرور في الطريق الالتفافية. أمّا في بلجيكا، فيتصدر الأخبار نبأ محاكمة المجرم ديترو وفي سويسرا آخر أنباء انتخابات المقاطعات وأنباء الاستفتاء القادم - وأنا أبالغ عمدا - ومع ذلك في نفس اليوم وقعت 560 ضحية نتيجة زلزال في المغرب وجدت مظاهرات عارمة ضدّ جدار الفصل بفلسطين، ووقع عديد القتلى بالعراق.
فكيف وقع تبويب الأنباء وانتقاؤها ؟ هنا تكمن استحالة الحياد وتكمن ضرورة وجود وعي حاد لدى الصحفيين يجعلهم يحددون مشاهديهم ويقرون بأن تعطل حركة المرور بالطريق الالتفافية بباريس لا يهم في شيء المشاهد في واغادوغو أو في بيونس آيرس وبأن ما يحدث في سويسرا أو بلجيكا أو تونس يمكن أن يكون ذا أهمية. علينا أن نكون على وعي بالقيم التي نبغي ترويجها في إشكالية ترتيب الأنباء. فالترتيب في حد ذاته سلم قيم.
ثمة نقطة أخرى تتعلق بالطريقة التي يصبح بها الإعلام حين يعتمد التعتيم تلاعبًا بالمشاهدين سواء عن قصد أو غير قصد. فعندما تعمد وسائل الإعلام الأمريكية إلى فضح انتهاكات حقوق الانسان في العالم كما يجب أن تفضح ولكنها لا تتعرّض إلا قليلا إلى معتقلي جوانتنامو ولو كانوا أبشع مجرمي الدنيا. أنا لست قاضيا لأحكم لهم أو عليهم ولكني أعتبر معاملتهم انتهاكا لحقوق الإنسان واعتداء سافرًا على أبسط حقوق الإنسان. فلا يحق أن يعامل أفظع مجرم بهذا الشكل.
أما على مستوى التسميات فإن بعض وسائل الإعلام برعت في تمرير بعض التسميات والاشتقاقات. فانظروا كيف أصبح الجدار الذي بناه الإسرائيليون حديثا عن جدار أمني . وقد استعمل صحفيون هذا الانحراف اللفظي لأن وكالات الأنباء تستعمله. وأكاد أجزم أن صحفيين تونسيين استعملوا عبارة جدارا أمنيا في حين أن الأمر لا يتعلق بجدار أمني بل بحائط فاصل أمّا أن يكون جدار أمنيا فلا. إنه التعبير الإسرائيلي، تعبير يفضل وجهة نظر على وجهة نظر أخرى. وخلاصة القول أنه على المسؤول عن قناة عالمية أو قناة وطنية أن يكون يقظا في ما يخص الألفاظ لأن أي لفظ يحمل وجهة نظر ولأن اعتماد لفظ ما يعني اعتماد وجهة النظر التي يحتويها.
أود من ناحية أخرى أن أؤكد على مسؤولية الصحفي وعلى مسؤولية وسيلة الإعلام التي تختار بعض الانحرافات وبعض الانزلاقات. أنا لا أؤمن بعلوية الصحف في عالم يعتبر الصحفي - خاصة في الغرب - فوق القانون. إن الأمور معقدة، يتعين على الصحفي أن يتميز بقدرة على النقد الذاتي خاصة وأن الانزلاقات سريعة الحدوث. لقد أتيح لي خلال أسفاري أن أدرك كيف أن نهاية الدكتاتوريات دفعت بعض الصحفيين إلى مزالق فظيعة من الثلب قد لا تتصورونها كأن يتهم المرء بلواط الأطفال. وقد يحدث مثل هذا في فرنسا أيضا كما في قضية طلاجر . هناك أخطار كبيرة وعلينا باعتبارنا مسؤولين وإعلاميين مقاومة مثل هذه الانحرافات لأنها تشرّع الخطاب المعادي لحقوق الإنسان. من المهم أن نعي بأنّ الصحفي عنصر من عناصر المجتمع المدني وبأنّ له مسؤولية أكبر من مسؤولية الآخرين وبأنّه ليست له حقوق أكثر من الآخرين. مسؤولية الصحفي تكمن في أنّه ينشر خطابا يمرّر قيما. أنا لا أتناقض فيما قلت فمسؤولية الصحفي تأكيد لشرعيته و لمصداقية وسائل الإعلام التي يتعين عليها أن تكون أكثر من أي وقت مضى يقظة حيال كلّ انتهاك لحقوق الإنسان ومنتبهة إلى ضرورة قيام بيداغوجية الدّيمقراطية و حقوق الإنسان.
هذه أفكار وددت عرضها عليكم و سأفسح المجال لأسئلتكم لنجيب عنها سويّا.
نقاش
سؤال : ماذا كنتم تفعلون إذا تلقيتم شريطا من بن لادن أو من الظواهري. هل تبثونه على قناتكم؟
جواب : لقد طرحنا على أنفسنا هذا السؤال الصّعب. بالنظر إلى الحق في الإعلام من واجبنا بثّها ولكنّ القرار المسبق يبثّها كاملة أيّا كانت الظروف مثلما تفعل الجزيرة يعني موقفنا يكاد يكون مساندا فتصبح الجزيرة وسيلة دعائيّة لابن لادن. لو تلقّينا شريطا من ابن لادن لما بثثناه كاملا تماما كما أنّنا لا نبث خطب جورج بوش كاملة.
سؤال : كيف التعبير عن حقوق الإنسان والحال أنّ الأبواب موصدة؟
جواب : من الصّعب أن أجيبكم فأنا أحظى برئاسة قناة لها مشاهدوها في جميع أنحاء العالم. لقد اطّلعت مؤخّرا على دراسة حول مشاهديها في المغرب العربي. نحن نتصدّر كلّ القنوات الأجنبية في المغرب حيث كان لنا خمسة ملايين مشاهد يوميا وفي تونس لنا 650000 متفرّج في حين لم يكن عدد مشاهدينا أكثر من 150000 قبل سنتين. وأنا سعيد بهذا التطوّر.
هناك مناطق مغلقة ففي كوريا الشّمالية لا يمكن مشاهدة القنوات الأجنبية بما فيها قناتنا. نفس الشيء في ماليزيا. لأسباب إيديولوجية مختلفة تمنع البلدان كلّ الهوائيات والفضائيات. ولكن التطور التقني سيجرف كل الحدود. ولكن حذار: إن سقوط الحدود قد يخفي مزالق كبرى فقد يجرّ ذلك تسرّب قنوات تحمل قيما خطيرة جدا على البشريّة. سأضرب كمثل على ذلك ما يحدث في الزايير حيث يفوق عدد القنوات الإنجليزية التي تدعمها مجموعات أمريكية عدد القنوات الوطنية مع ما في ذلك من خطر السقوط في الأصوليّة الدينيّة المحليّة ومن خطر تعبئة المتفرّجين حول مهام تهدّد التنمية. علينا أن نقاوم حتّى تتحقق حرّية الإعلام وحرية الصحافة. وهذه مهمّة الصحافيين كما هي مهمّة المجتمع المدني.
وكل من يعتقد أن الحدود لن تفتح مخطئ. انظروا ما فعلت الإنترنات. صحيح أنّ عدد المبحرين في الإنترنات قليل ولكنّه آخذ في الارتفاع. من كان يتوقع مثل هذا الانتشار للهاتف المحمول ؟ ففي بعض البلدان الإفريقية يفوق عدد الهواتف المحمولة عدد الهواتف القارّة، وقريبا في فرنسا ثمّ في أوروبا ثمّ في كافة أرجاء العالم، سيكون بإمكاننا مشاهدة الأخبار على شاشة الهاتف. إن هذا التطور المذهل يدفعنا إلى الحذر من أن تصبح هذه الوسائل بيد أعداء حقوق الإنسان.
سؤال : تعرضتم إلى ضرورة الحذر. كيف تتكون هيمنة رؤوس الأموال والمجموعات المالية ؟
جواب : هذا السؤال كثيرا ما أطرحه على نفسي. لكن قناة ت. ف. 5 في مأمن من ذلك فهي قناة عمومية لا تنتمي إلى أي مجموعة مالية ومصدر تمويلها خمسة دول هي فرنسا وبلجيكا وكندا وسويسرا والكبيك ويحضر اجتماعات القناة ممثلون عن الدول الإفريقية. نحن قناة نشأت عن المنظمة العالمية للفرانكفونية، ورغم أن فرنسا تمولنا بنسبة 85٪، فنحن قناة دولية ولسنا صوت فرنسا. أنا أرأس هذه القناة منذ سنتين ونصف، في بادئ الأمر عينني اليسار وأعاد اليمين انتخابي في مركزي السنة الفارطة. خلال كل هذه الفترة لم نشهد قط تدخلا من أي كان في سياستنا الإعلامية فقد وقع تعيين رئيس وعليه مسؤولية تحديد الخط الإعلامي المحترم لحقوق الإنسان ولحرية التعبير، هذه القيم التي تجمعنا كلنا دون تدخل أي كان.
وأنا بدوري لن أسمح أبدا لنفسي بإسداء توجيهات للصحفيين ولكن من حقي مناقشة رئيس التحرير لتحديد الأولويات ولتحليل الأوضاع. ولكنني أستطيع التغيب عشرة أيام دون أن يتعطل أي شيء. أنا لا أمضي وقتي في حراسة الصحفيين.
نحن فريق يحترم مبدأ الاختلاف، نحن فريق عالمي. أنا تونسي وعندي فريق من كل الجنسيات، أنا لا أسأل الصحفيين عند انتدابهم عن انتمائهم السياسي بل عن كفاءتهم فحسب.
إن قناة تي. في . 5 أقرب ما تكون من ب.ب.س وأبعد ما تكون عن س.ن.ن و فوكس نيوز وحتى الجزيرة فتلك قنوات لها خط سياسي معين. س.ن.ن تعكس توجهات الإعلام الرسمي الأمريكي فهذه القناة لم تحتج مرة واحدة على غياب صور لـ 640 قتيلاً أمريكيّا في العراق. لقد استجابت القناة إلى التعليمات القاضية بعدم نشر صور لتوابيت أو لقبور القتلى الأمريكيين. أما عن الجزيرة فهي تجربة هامة أثرت المشهد الإعلامي العربي، ولكن إذا تابعت هذه القناة على المدى الطويل فإنك تلاحظ تحيزا للاتجاه الأصولي بدعوى العدل في توزيع الوقت بين الاتجاهات، ولكن من يحدّد هذا العدل ونسبه (50٪ - 50٪، 70٪ - 30٪، وربما 90٪ - 10٪). ترون أن المؤامرة ليست دائما مادية. وهنا لا بد من الإشارة إلى عدم وجود مؤامرة بالمعنى المعروف. كل ما في الأمر أن قوة أمريكا تفرض سلوكا معينا على الإعلاميين ونحن لحسن الحظ في منأى عن ذلك.
ويوجد إلى جانب ذلك عامل الإثارة والبحث عنها وسأعطي كمثال على ذلك قضية الحجاب في فرنسا. لم يطلع على الشاشات الفرنسية إلا المسلمون المساندون للحجاب. كما لو كان كل المسلمين مجمعين على ذلك. فبدت كل الجالية المسلمة كالمذنبة لأنها كلها دون استثناء تساند الحجاب وأصبح طارق رمضان بطلا، والحال أن الأمور أكثر تعقيدا فالقضية الأساسية ليست الحجاب وإنما غياب تمثيل كاف لهذه الجالية في أجهزة الدولة وفي الأجهزة الإعلامية وفي البرلمان. وأود أن أؤكد أن الأمر لا يتعلق بمؤامرة بين القنوات الفرنسية بقدر ما يتعلق بالركض وراء الإثارة والمحاكاة التي يغذيها كسل الصحفيين. فإذا أنت شاهدت الأخبار على قناة ت.ف.1 وعلى قناة فرنسا2 فإنك ستلاحظ أنهما تبدآن باختطاف فتاة صغيرة تاركين أنباء ما يحدث في فلسطين في الآخر. صحيح أن وكالات الأنباء تصدر برقيات عن اختطاف فتاة صغيرة أكثر من البرقيات عن فلسطين ولكن كسل الصحفيين مسؤول أيضا. لا يتعلق الأمر بمؤامرة بل بمحاكاة وبخط إعلامي عام يعطي الأولوية للإثارة وللقرب، وسآخذ كمثال على ذلك نشرة أنباء الساعة الواحدة بـ ت.ف.1 وهي نشرة غريبة لا يوجد فيها إلا الأنباء الجهوية، أما على القنوات الأمريكية أو الكندية فمن الصعب جدا العثور على نبأ عالمي واحد.
يبدو أن جمهور المشاهدين يحبذ الأنباء التي تمسه عن قرب وهذا تطور غريب في عصر العولمة. ففي عصر توفرت فيه الصور عمّا يجدّ في العالم قامت القنوات الوطنية بالانطواء على الأنباء المحلية.
أود هنا أن أعود إلى التوجيهات الأمريكية للإعلاميين ثمة خطوط حمراء وهي مساندة شارون ومحاربة الإرهاب، دون تفاصيل أخرى أما عن الدفاع عن حقوق الإنسان في الفيتنام أو في إفريقيا أو هنا فلا تعنيهم.
وسأختم بالقول إنّنا في القناة تي. في. 5 لم نتلق أبدا تعليمات بشأن خطوط حمراء. نحن الذين نضع لأنفسنا تلك الخطوط الحمراء.
الرئيسية
البوابة
أحدث الصور
