قياس أبعاد النجوم
تبلغ المسافات التي تفصلنا عن الكواكب في منظومتنا الشمسية وعن النجوم في مجرتنا مئات بل ملايين ملايين الكيلومترات، لذلك يستخدم الفلكيين واحدات خاصة للتعبير عن هذه المسافات..
الوحدة الفلكية (Astronomical Unit):
تستخدم فقط في نطاق نظامنا الشمسي، للتعبير عن أبعاد الكواكب عن الشمس، وتكافئ هذه الواحدة 150 مليون كم او 93 مليون ميل وهو متوسط بعد الأرض عن الشمس.
السنة الضوئية (Light Year):
وهي المسافة التي يقطعها الضوء (بسرعته المعهودة 300000 كم/ثا) خلال سنة أرضية واحدة (أي خلال 365.25 يوم أرضي) وتكافئ تقريباً 10 مليون مليون كم.
الفرسخ الفلكي (Parsec):
هو المسافة التي يبعدها نجم ما بحيث يكون اختلافه الظاهري (Stellar Parallax) ثانية قوسية واحدة، وهو يكافئ 3.26 سنة ضوئية، أما كلمة Parsec فهي مشتقة من كلمتين: (Parallax) أي الاختلاف الظاهري، و كلمة: (Arc Second) أي ثانية قوسية.
الاختلاف الظاهري النجمي (Stellar Parallax):
"اختلاف المنظر" أو "الاختلاف الظاهري" من أول الطرق التي استخدمها علماء الفلك لتقدير أبعاد النجوم، وكان الفلكي الألماني فريدريك بيسل أول من استخدمها في ثلاثينات القرن التاسع عشر، ونحنُ نستطيع استبيان مبدأ هذه الطريقة بسهلة، فعندما نضع يدنا أمام وجهنا على مسافة قريبة، ثم ننظر لها بعين واحدة كل مرة، سنلحظ أن اختلافاً "ظاهرياً" في موقعها بالنسبة لمشهد الخلفية الذي نراها من أمامه، هذا "الاختلاف الظاهري" يزداد كلما كان الجسم المنظور أقرب إلينا، وكلما كانت المسافة بين منطقتي الرصد (المسافة بين العينين في مثالنا السابق) أكبر.
ولتطبيق هذه الطريقة في قياس أبعاد النجوم عن الأرض، يستفيد الفلكيون من دوران الأرض حول الشمس، حيث يرصدون نجماً ما بحيث يحددون موقعه بدقة على خلفية نجوم أخرى، ثم وبعد ستة أشهر، أي بعد أن تحتل الأرض في مدارها حول الشمس موقعاً مقابلاً للموقع الأول الذي تم منه الرصد (والمسافة بين هذه الموقعين معروفة وهي تساوي وحدتين فلكيتين، أي 300 مليون كم) يعاود الفلكيون رصد ذات النجم وتحديد موقعه على الخلفية النجمية، والتغير الظاهري في موقع النجم يتعلق ببعدنا عن النجم، فيكون الاختلاف الظاهري كبيراً للنجوم القريبة وصغيراً للنجوم الأبعد، لكنه وفي كل الأحوال يقاس هذا الاختلاف بأجزاء من الثواني القوسية (الثانية القوسية جزء من 3600 جزء من الدرجة القوسية، ولندرك هذا الرقم نتذكر أن قرص القمر في طور البدر في سماء الأرض يبلغ تقريباً 0.5 درجة قوسية).
أما القانون الذي يعطي المسافة إلى النجم وفق هذه الطريقة، بحيث يكون مقدار الاختلاف الظاهري مقدراً بالثانية القوسية، والمسافة بالفرسخ الفلكي، فهو:
فمثلاًُ عندما يكون P=0.25 ثانية قوسية لنجم ما فإن بعده سيكون: d=4 فراسخ فلكية، وعندما P=0.1 سيكون d=10
أن الاختلاف الظاهري للنجوم البعيدة صغير جداً حتى تصل مقداراً غير قابل للقياس مع نجوم أكثر بعداً من 100 فرسخ فلكي، وذلك يعود إلى تشويش الغلاف الجوي، ولتلافي هذا الأمر، يقوم القمر الصناعي "هبارخوس" بإجراء قياسات اختلاف المنظر من الفضاء، مما سيمكن الفلكيين من قياس المسافات إلى نجوم قد يصل بعدها حتى 250 فرسخ فلكي، أما لقياس النجوم الأبعد من ذلك، فهناك طرق أخرى لقياس المسافات، منها تلك الطرق التي تعتمد على "القدر النجمي" أو على "سطوع النجوم".
السطوع (Luminosity):
هو مقدار الطاقة التي يطلقها جسم ما في الثانية، فمثلاً سطوع نجمنا الشمس: (4×1026 واط) وهو مرتبط بمعدل استهلاك النجم لوقوده (أي تحويل الهيدروجين إلى هيليوم بالتفاعل الاندماجي)، وتحديد سطوع النجم مهم في معرفة نصف قطره، وبُـعده عنا، والعلاقة التي تربط بين السطوع الظاهري وبعد النجمـ تدعى بقانون التربيع العكسي (Inverse Square Law) فعند مسافة (R) من مبع ضوئي ينتشر سطوع المنبع (L) على كرة نصف قطرها (R)، بالتالي يكون اللمعان (B) الذي نرصده هو:
حيث أننا نقوم بقياس المسافة (R) بطريق الاختلاف الظاهري، وقياس اللمعان (B) باستخدام مقياس الضوء، فيمكن من القانون السابق حساب السطوع (L)، ونجد أن بعض النجوم أقل سطوعاً من الشمس بآلاف المرات، في حين أن بعضها الآخر أكثر سطوعاً من الشمس بملايين المرات، ويعود هذا المجال الواسع لمدى سطوع النجوم إلى الاختلاف في أحجام النجوم (أي الاختلاف في أنصاف أقطارها) فعندما يكون لدينا نجمين لهما درجة الحرارة ذاتها، فإن النجم الأكبر يطلق طاقة أكبر، وبالتالي يكون سطوعه أكبر من النجم الأصغر، وتسمى العلاقة التي تربط السطوع ودرجة الحرارة ونصف القطر باسم قانون ستيفان بولتزمان (Stefan Boltzman Law) وينص:
"إذا كان لدينا جسم درجة حرارته (T) فإنه يطلق كمية من الطاقة كل ثانية تساوي () للمتر المربع الواحد" حيث أن ثابت ستيفان بولتزمان.
فإذا كان لنجم درجة حرارة (T) فبحسب القانون إن كل متر مربع من سطحه يطلق كمية من الطاقة في الثانية الواحدة تعطى بـ () هذه الطاقة الكلية التي يطلقها النجم في الثانية (أي سطوعيته L) تحسب بجداء الطاقة الصادرة من المتر المربع الواحد في عدد الأمتار المربعة المسطحة، أي أن:
حيث أن (R نصف قطر النجم)
يتضح من العلاقة الأخيرة، أنه كلما ازداد نصف قطر النجم وكلما ازدادت درجة حرارته فإن سطوعه يزداد، ويستطيع علماء الفلك قياس نصف قطر النجم بطريقة أخرى، من خلال قياس حجه الزاوي، ولأن الحجم الزاوي لكل النجوم (باستثناء الشمس) صغير جداً بحيث أنها تبدو لطخات ضوئية صغيرة، حتى في أضخم التلسكوبات البصرية، ويلجأ علماء الفلك للتغلب على هذه المشكلة (ومشاكل تشويش الغلاف الجوي) جهاز "مقياس التداخل".
القدر النجمي (Stellar Magnitude):
يعود مفهوم قدر النجم (مقدار لمعانه) إلى اليوناني هبارخوس (190 – 120 ق.م) حيث صنف النجوم إلى مراتب وفق شدتها الظاهرية، فالنجم ذو الإضاءة الساطعة والواضحة في القبة السماوية أعطاه القدر واحد، بينما أعطى القدر ستة للنجوم الأكثر خفوتاً، وصنف باقي النجوم بين القدرين (واحد، ستة) وفق شدة إضاءتها الظاهرية، وإننا بالعين المجردة لا تستطيع رؤية نجم قدره أكثر من ستة، أما باستخدام أجهزة الرصد البصرية فإن قدر النجوم الممكن رصدها يرتفع حتى (23+)، كما نجد أن كوكب الزهرة (ثالث ألمع جسم في سماء الأرض بعد الشمس والقمر) قدره الظاهري (4.3-).
إن الشدة الظاهرية طبعاً ليست مقياساً حقيقياً للشدة الحقيقية لإضاءة النجم، فمثلاً الشعرى اليمانية وهي أكثر نجم لامع في السماء وقدره (1.43-) أقوى في حقيقته بـ 26 مرة من شمسنا والتي نعطيها القدر (26.5-)، لأن بعده عنا 8.6 سنة ضوئية، إذن، إن فروق القدر تتناسب مع نسب السطوع، فإذا كان الفرق بالقدر بين نجمين 5 (أي أن أحد النجمين من القدر الأول، والثاني من القدر السادس) فإن النجم الأول يكون أسطع من النجم الثاني بـ 100 مرة، وهذا يعني أن نسبة اللمعان لنجمين يختلفان بقدر واحد هو الجذر الخامس للمئة أي 2.512 .
القدر المطلق (Ablolute Magnitude):
القدر الظاهري للنجم هو مدى سطوعه بالنسبة للراصد، فكما عرفنا من قانون التربيع العكسي، أنه إذا تساوى نجمان في السطوع وكانا يقعان على مسافتين مختلفتين، فإن أقربهما سوف يظهر أكثر سطوعاً، وعليه فإن كانت النجوم المختلفة في سطوعها متساوية البعد عن الراصد، عندها تصبح هذه الاختلافات الظاهرية في السطوع حقيقية ويمكن عندها المقارنة بين النجوم جميعها بمقياس واحد.
القدر المطلق هو مدى سطوع النجم (أي القدر الظاهري) لو كان على بـُـعد معياري قدره 10 فراسخ فلكية، فالشمس التي قدرها الظاهري (26.7-) سيكون قدرها المطلق (4.9) فقط لو كانت على ذلك البعد.