الآثار الاجتماعية لجريمة التهرب الضريبي
يخضع النظام الجبائي لأي دولة سواء كانت متقدمة أم سائرة في طريق النمو إلى تأثيرات اجتماعية مختلفة وهذا ما يجعلنا نرجع إلى الخاصية المميزة للقاعدة القانونية في كونها قاعدة اجتماعية أي أنها مرتبطة بالمجتمع وتنبثق من كيانه وروحه.
وعليه فالتهرب الضريبي يعتبر كرد فعل للمجتمع على نصوص جبائية لا تتناسب مع مقدرتهم التكلفية وبالتالي رفضهم للضريبة المفروضة عليهم، وبهذا فكلما زادت حدة النزاعات الجبائية في إطار التهرب الضريبي إلا ويعني ذلك الحيف الاجتماعي وعدم مساواة المواطنين أمام الضريبة، الأمر الذي يؤدي إلى التأثير على التشريع الجبائي وعلى مستوى الموارد الجبائية.
ومن بين الانعكاسات التي يخلفها التهرب الضريبي النقص في الموارد المخصصة لمحاربة الأمية ومحاربة السكن غير اللائق وغيرهما من الآفات التي تهدد مستقبل التنمية الاجتماعية في المغرب.
كما أن الدولة تلجأ إلى الموارد الجبائية من أجل إعادة توزيع الدخول بين سائر طبقات المجتمع من أجل تقليص الهوة التي تفصل بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة، ويتضح ذلك من خلال قيام الدولة بفرض ضرائب بأسعار مرتفعة على الدخول المرتفعة وبفرض ضرائب منخفضة على الدخول المنخفضة، ومغزى ذلك هو خلق نوع من التوازن الاجتماعي بين مختلف الطبقات الاجتماعية وفي المقابل يظهر التهرب الضريبي كعامل معاكس يغير مسار المعادلة التي كانت الدولة تخطط لها.
ولكن من جهة أخرى ونظرا للحيف الاجتماعي الذي يطال بعض الملزمين الذين تثقل الضريبة كاهلهم خاصة أصحاب الدخول المحدودة، بحيث لا يمكنهم التهرب من الضريبة لأن مبلغ الضريبة يتم اقتطاعها من المنبع، في حين تبقى بعض الأنشطة مفتوحة للتهرب الضريبي التي لا يتم اقتطاع مبلغ الضريبة فيها من المنبع مثل الأنشطة التجارية والمهنية الحرة، هذا الأمر دفع بعض الباحثين إلى القول على أن هذه المعادلة تؤدي إلى تطبيق سياسة تفقير الفقراء وإغناء الأغنياء.
وهكذا يبقى شكل العدالة الاجتماعية للضريبة دون جدوى مادام توزيع الأعباء الجبائية غير عادل ومتساوي بين الملزمين، ومادامت السياسة الجبائية تركز على الأهداف دون الاهتمام بالوسائل والآليات.
أما من ناحية أخرى ترى بعض الفئات أن عدم تضريب القطاع غير المهيكل فيه حيف لهم فمثلا هناك أنشطة غير مهيكلة يمكن أن تحقق أرباحا خيالية، وهو ما حدث بالنسبة لبعض المؤسسات ، إذ أكثر من 245.000 مؤسسة غير مصرح بها حققت إنتاجا قدر ب 31 مليار درهم، وقيمة مضافة ب 21 مليار درهم سنة 1988، وهذا يبقى مثال بسيط فقط على الأهمية التي يشكلها القطاع الغير المهيكل في النسيج الاقتصادي والاجتماعي المغربي الذي يحرمها من الضرائب التي كان من المفروض أن تستفيد منها الإدارة الجبائية.
وتأسيسا على ما سبق قوله أضحى التهرب الضريبي عاملا من العوامل المؤثرة في المجال الاجتماعي مادام يهدف إلى حرمان الخزينة العامة من أموال ضخمة تستخدمها الدولة لمعالجة المشاكل المختلفة، والدليل على ذلك هو ما أورده تقرير بنك المغرب لسنة 2005، إذ أكد على ارتفاع معدل البطالة على المستوى الوطني من 10،8 % سنة 2004 إلى 11 % سنة 2005 وتزايد من 3،2 إلى 3،6 في الوسط القروي في حين بقي معدل البطالة في الوسط الحضري في نسبة 18،3 % .
وفي المقابل فقد عملت الدولة على إعادة النظر في هذا المشكل من خلال تأهيل الشباب على إيجاد مناصب شغل، فقامت بوضع سياسة جديدة في سنة 2006 تعتمد على تأهيل الكفاءات وتوجيههم من خلال منح قروض صغرى ومتوسطة للمقاولين الشباب كبرنامج مقاولتي والاعتماد على سياسة offshoring كآلية لخلق مناصب شغل للشباب.
ولكن رغم هذه المجهودات لازال مشكل البطالة يبقى مطروحا ويشكل حاجزا أما الاستثمار في شتى القطاعات الاجتماعية حيث أكد خبراء مهتمين بهذا المجال على أن مناصب الشغل تقلصت من25000 منصب سنة 1983 إلى أقل من10000 منصب شغل في سنة 1997، ويعزى السبب في ذلك ، الجفاف، والهذر المدرسي والهجرة القروية....
وعلى أي نرى أن التهرب الضريبي من خلال الآثار الاجتماعية السيئة التي يخلفها على المجتمع يحتاج إلى إرادة قوية من طرف الدولة لمجابهته قصد التخفيف من الأزمات التي تعاني منها الدولة ولا يتأتى ذلك إلا بنشر ثقافة الوعي الجبائي لدى جميع الفئات الاجتماعية خاصة وأن هذا الوعي منخفض بشكل كبير في الدول النامية كالمغرب، حيث وصل الأمر إلى بعض الفئات الملزمة بالضريبة إلى الافتخار بعدم أدائها للضرائب، لكن العكس هو الصحيح لأن المواطنة تفرض على الملزم أدائه الضريبة مادامت تخدم المصلحة العامة للبلاد، كما أن الإدارة الجبائية تبقى مسؤولة عن إيجاد حل لهذه الأزمة التي تنخر ميزانية الدولة بشكل متزايد وحينها تكون إرادة الدولة قوية لحل هذا المشكل فالأكيد أنه لا يمكن القضاء على التهرب الضريبي بشكل تام ولكن على الأقل التخفيف من حدته الشيء الذي أكده الأستاذ G.Adrant بقوله:" إن قيمة أي نظام جبائي تبقى رهينة بإرادة الجهة التي ستعمل على تنفيذه".
ولكن الإشكال المطروح هو أن التهرب الضريبي لا يقف عند هذا الحد بل أصبح ظاهرة عالمية لا تعرف حدود ولا حواجز، ويعتبر من بين الآثار السلبية التي أتت بها رياح العولمة من خلال تحرير المبادلات التجارية، وحرية تنقل رؤوس الأموال الأجنبية عبر الدول، بل يمكن مقاربته من جهة أخرى على أنه من بين مخلفات ما يسمى بالازدواج الضريبي، والمغرب لا يخلو من هذه الظاهرة نظرا لموقعه الجغرافي المتميز حيث أصبح الوجهة المفضلة للشركات المتعددة الجنسيات،
بالتوفيق للجميع بحول لله
تحياتي