السلام عليكم ورحمة الله
الحمدلله رب المشارق والمغارب..
خلق الإنسان من طين لازب..
ثم جعله نطفة بين الصلب والترائب..
خلق منهُ زوجهُ وجعل منهما الأبناء والأقارب..
تلطف به فنوع له المطاعم والمشارب..
وحمله في البر على الدواب..
وفى البحر على القوارب.
نحمده (تبارك وتعالى) حمد الطامع في المزيد والطالب.
ونعوذ بنور وجهه الكريم من شر العواقب..
وندعوه دعاء المستغفر الوجِل التائب..
أن يحفظنا من كل شرِ حاضر أو غائب.
ونشهد أن لا إله إلا الله القوى الغالب..
شهادة متيقن أن الوحدانية لله أمر لازم وواجب.
كم من مبتلي اصابه الهم والغم
كم من اناس عكرت صفو حياتهم بمصابهم
كم من مهموم قتلته همومه
كم من مريض الزمه مرضه الفراش
كم من مقعد طريح الفراش لايرى الناس ولا يراهما
كم فقير قتله هم الفقر
كم من يتامي تذيب اناتهم القلوب من هول ما يجدون من الفقر والكرب
كم من مكروب اشتدت عليه الدنيا بما رحبت
كم من امراه تشتكى قسوة زوجها وعنفه
كم من امراه تشتكى قله الزوج والمعين على الحياه
كم من امراه تشتكى يتامى رضع لايجدون ما ينفقون
كم من دمعات سالت على الخدود من الهموم
كم وكم وكم
اليست هذة الدنيا اخواتاه
دار ابتلاء وتمحيص
ان الناظر الى هذة الابتلاءات ليرى العجب العجاب
فحال المبتلى بين رجلين
رجل صابر محتسب يظن فى نفسه السوء ان هذه المصائب انما هى بما كسبت يده وينظر فى نفسه ليقومها ويصلحها
ورجل اخر يشتكى الله الى كل الناس ويتسخط على الله وعلى اقداره ولا يدرى المسكين انه قد يبتلى
بذنبه هو نعم قد يبتلى الرجل بذنبه قال تعالى :
{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165]
نعم لا تعجب قد تكون هذه المصائب بسببك انت
وبسبب ذنوبك
قال احد السلف
والله انى اذنب الذنب فاري هذا فى خلق زوجتى ودابتى
وجاء يوما رجل الى وكيع رحمه الله فاغلظ عليه فى القول والكلام
فقال له ذد ذد فو الله ما سلطك الله علي الا بذنوبى
هكذا يظن العبد بنفسه السوء اذا اصابته مصيبة
{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79]،
وفى الحديث (ان الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)
فهل فتشت فى نفسك لتجد اين عيوبك
تامل فى نفسك هل ظلمت احد هل اكلت مالا حراما
قال بعض السلف ان الشيطان ينظر الى الشاب الذى يصلى ويديم الصلاة يقول لاتباعه انظروا مما ياكل فان كان ياكل
من الحرام يقول لاتباعه دعوه فقد كفانا مونته
نعم اكل المال الحرام بالغش والرشوه وشهادة الزور كافيه لاهلاك العبد بالدنيا والاخره ان لم يتب
وفى الحديث ( ان الرجل يطيل السفر اشعث اغبر يقول يارب يارب ومطعه حرام وملبسه حرام وغذى من حرام فاني يستجاب لهذا)
نعم تامل فى نفسك هل ظلمت زوجتك هل ظلمت ابنائك هل شهدت زور
هل رايت مظلوما ولم تنصره هل وهل وهل ؟
وايضا قد يبتلى العبد ليمحصه الله ويخلصه من ذنوبه
واعلم ان فضل الابتلاء فى الاخرة عظيم كما جاء فى الحديث فيما معناه انه ( يوتى باشقى رجل كان الدنيا من
اهل الجنه فيغمس غمسه فى الجنه فيقول له الله هل ذقت بوسا قط فيقول لا وعزتك يارب )
فلا تستعجل يا مبتلى ستنسى كل بوسا وعذابا مع اول غمسه فى الجنه ان شاء الله
والله لو لم يكن فى البلاء والمصائب نعمه الا استخراج الدعاء من العبد لكفى بها من نعمه
قال تعالى : ( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [الأنعام:43]
نعم قد يبتليك ليسمع صوتك وانت تقول يارب
يارب
ما حالك ان نزل بك الكرب
هل قمت الى ربك بالليل وناجيت حبيبك وقلت يارب ليس لي غيرك ليس لى سواك
الى من الجا وانت الرب المعبود ام الى من اذهب وانت صاحب الجود
هل قمت لتصف رجليك اليه وتنصب ظهرك اليه
مظهرا ضعفك وذنوبك اليه
فكم عصيناه وهو يسترنا ولم يفضحنا عسى ان نرجع اليه
مسكين ابن ادام ما طلب الله منه الكثير
ما طلب منه الا شكر نعمته وعبادته ووعده بالمزيد والراحه بالدنيا والاخره
اعجب والله الى من اصيب بكرب وضيق وحزن وراى بابا مفتوحا ويذهب الى بابا مغلقا
نعم ترك باب الله
وذهب الى باب الخلق
ترك باب الله والحبيب النبى صلى الله وعليه وسلم يقول
( إن الله تعالى حيي كريم يستحي إذا رفع العبد اليه يديه يردهما صفرا خائبيتين)
أاترك بابه وتذهب لغيره
نعم انها سعادة المناجاه لله حرم منها من حرم
الذ لحظات على العبد حين يناجى الله بصدق
وكم قال شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله
ان فى الدنيا جنع من لم يدخلها لم يدخل جنه الاخره
قالوا وما هى قال جنه الايمان
وهذا الرضا والمناجاه هو الذى جعله يقول رحمه الله
ان المحبوس من حبس عن ربه والماثور من اثرها هواه
قال شيخنا الحبيب محمد حسان وهو كان بمكه راى رجل يرفع يده بالدعاء ويبكى ويشتد بالدعاء ويبكى حتى جاءه
رجل اخره ووضع فى حجره مال وانصرف فراى الرجل المال ثم رفع يده بالدعاء وبكى
فساله الشيخ محمد ما حالك يااخى وما اصابك
قال له الرجل والله جئت البيت الحرام وانى اشتكى الفقر الشديد
ووالله ان الله لم يرد دعائى والله يااخى رزقنى الله ما كنت اريد واضعاف ما اريد
نعم اخواتها انه الله لايعامل بالجنيه والدرهم كما يعامل احدنا الاخر ولله المثل الاعلى جل سبحانه
بل ان الله يعامل بالجود والكرم وكيف لا وخزائنه ملىء لمن طلب المزيد
ورجل اخر احكى قصته ليكى تلين به القلوب
رجل من المملكة السعوديه اشتد به الحال والفقر استدان من كل الناس حتى اصبح لا يعطيه احد مال
وحل موعد ايجار البيت وجاءه المالك وقال له تدفع الايجار غدا او تطرد انت واهلك من البيت
فاغتم الرجل واشتد به الحال طلب من اصحابه فلم يعطوه لانه لا يقدر على السداد
اغلقت الابواب فى وجه
واغلقت السبل فى وجه ولكن لم يتبقى الا طريق واحد
القى الله فى قلبه ان يدعوه
فقام بالليل فى ثلث المهجدين ثلث التائبين ثلث العارفين
وقام ليصلى ويبكى ويتضرع الى الله
ومازل يدعو ويبكى الى ان اذن الفجر ومازال يتذكر انه سيطرد مع ظهور النهار
فذهب ليصلى بالمسجد ومازال يبكى بالصلاة
وبعد الصلاه يدعو ويرفع يده ويبكى حتى جاءه امام المسجد
وقال له مايبيكيك يااخى قال له القصه
فقال له الرجل سبحان الله جاءنى منذ يومين رجل واعطائى مبلغ 5 الاف ريال وقال وزعها فى سبيل الله وانى منذ
يومين ابحث عن من يستحق فلم اجد وكان الله اخرها لك فخذها
فاخذها وسد دينه
يقول الرجل عن نفسه والله لم انسى هذا الباب المفتوح بالليل والصلاه والدعاء منذ يومها وهو الان من اغنى
رجال السعوديه بفضل من الله
نعم الجا الى الله بالدعاه والله ستجد سعادة الابتلاء وفرحته
انه نعمه من الله تستحق الحمد
فلترضى عن الله حين يبتليك فكل فضل وخيرا بيده
وهناك معاني ولطائف اذا تأمل فيها العبد هان عليه البلاء وصبر وآثر العاقبة الحسنة وأبصر الوعد والثواب الجزيل :
أولاً: أن يعلم أن هذا البلاء مكتوب عليه لامحيد عن وقوعه واللائق به ان يتكيف مع هذا الظرف ويتعامل بما يتناسب معه.
ثانياً: أن يعلم أن كثيراً من الخلق مبتلى بنوع من البلاء كل بحسبه و لايكاد يسلم أحد فالمصيبة عامة ,
ومن نظر في مصيبة غيره هانت عليه مصيبته.
ثالثاً: أن يذكر مصاب الأمة الإسلامية العظيم بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى انقطع به الوحي وعمت
به الفتنه وتفرق بها الأصحاب " كل مصيبة بعدك جلل يا رسول الله "
رابعاً: ان يعلم ما أعد الله لمن صبر في البلاء أول وهلة من الثواب العظيم قال رسول الله " إنما الصبر عند المصيبة الأولى "
خامساً: أنه ربما ابتلاه الله بهذه المصيبة دفعاً لشر وبلاء أعظم مما ابتلاه به , فاختار الله له المصيبة الصغرى وهذا معنى لطيف.
سادساً: أنه فتح له باب عظيم من أبواب العبادة من الصبر والرجاء , وانتظار الفرج فكل ذلك عبادة .
سابعاً:أنه ربما يكون مقصر وليس له كبير عمل فأراد الله أن يرفع منزلته و يكون هذا العمل من أرجى أعماله في دخول الجنة.
ثامناً: قد يكون غافلا معرضاً عن ذكر الله مفرطاً في جنب الله مغتراً بزخرف الدنيا , فأراد الله قصره عن ذلك
وإيقاظه من غفلته ورجوعه الى الرشد.
فاذا استشعر العبد هذه المعاني واللطائف انقلب البلاء في حقه الى نعمة وفتح له باب المناجاة ولذة العبادة ,
وقوة الاتصال بربه والرجاء وحسن الظن بالله وغير ذلك من أعمال القلوب ومقامات العبادة ما تعجز العبارة عن وصفة .
اسال الله ان يعافى كل مبتلى مسلم
وان يكشف كربات كل مبتلى
وان يجعل ما ابتلينا به تمحيصا لنا لا عذابا لنا يا رب
منقول