سلسلة ألا هل بلغت ..اللهم فأشهد (7)
أأنْتُم أشَّدٌ خَلْقاً أَم أَلْسَّماء
من العجيب والغريب أن يتجاهل الإنسان نعمة العقل التي تميزه عن كثير من خلق الله سبحانه وتعالى ، ولقد بسط الله رحمته وفضله ليعينه على إستغلال هذا العقل بالتفكر والتدَّبر، وأختار له مكاناً مرموقا بين صفوف خلقه فأسجد له الملائكة وفضله على العالمين ، وأنزله على الأرض ليعبده ويؤدى رسالة الأمانة التي عرضها على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ، وحملها الإنسان ومقابل ذلك أثابه الله وسخر له كل شيء وضاعف له الأجر فى ثواب الأعمال والأقوال وعرفه كيف يكون الثواب لمن أدى وكيف يكون العقاب لمن لم يؤدى ، فأخطأ السواد ألأعظم من ذرية آدم إلا قلة قليلة في العدد وعظيمة في الورع و الخشية والرضا بالقليل والقدرة الخارقة على تحمل المشاق الصعبة فقد طرحت أهواء ألنفس والدنيا ووسوسة الشياطين أرضا ففازت هي ومن إتبع طريقها برضاء ربها ودخول الجنة دار القرار والإستقرار ، أما من أخطأ فقد سجن نفسه بين تلك الهموم ،وتناسى حقيقة نزوله على الأرض فعصى الرسل وتهافت على الأهواء فعدد الشرائع وحرف كتب الله وقتل الأنبياء وأطاح بكل ما هو أسمى من صفات الإنسانية ، وأصبح شيطانا من شياطين الإنس فشيطان الإنس أدهى وأقوى من شيطان ألجن ، وأصبح من الأكثرية التي قد تَرَدَّتْ وتقهقرت إلى الوراء حتى أصبحت أقل درجة عن الأجناس الأخرى في أخلاقها وطباعها ، بل أضحت وحوشا ضارية أشد فتكا وشراسة لكل شيء حتى على بني جنسها وأصبحت أمواج الصراعات المتلاطمة في كل مكان تطيح بكل ماهو غالى وثمين من نفائس مكارم الأخلاق ولم يتبقى إلا مساوئ الطمع والغل وحب الذات والدنيا برغم أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه وليس له إلا ما أكل فأفنى وما لبس فأبلى ، بل من كثرة تفانيهم فى إبتكار الذنوب تراهم كأنهم يترنحون كالسكارى بين الضلال والإضلال وتناسوا ماهو أعظم من مهمة الرسالة و الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إلا القليل النادر الذي يتحكم بعقله في أهوائه ويدير شئون نفسه على الحق والعبادة ويحسن علاقاته وتصرفاته مع ربه ومع غيره ، ويستعمل الحكمة في كل شيء ليكون مخلوقاً مثاليا يتحلى بقيم الإنسانية في كل شيء ولكل شيء قد خلقه الله من نبات وحيوان وحشرات حتى يصل به المطاف إلى ماهو أصغر فأصغر فكل شىء هو أمانة فى رقبته وسوف يسأله الله عنها ، ولا يستحقر مخلوقاً قد خلقه الله وتكون فيه منفعة له أو مضرة برغم أنه من غير بني جنسه ، ولكن تفاهة الكثير الذي لم يحَّكم عقله تجعله ينظر إلى الأجناس الأخرى باستحقار زائد وهو لايدرى أن العقلاء الحكماء من القلة القليلة من بني جنسه قد تعلموا من الحشرات والحيوانات أشياء كثيرة ، فتعلمنا منها الصبر وما يفيد بني الإنسان وأن هذه المخلوقات أمم أمثالنا تفرح وتحزن وتبكى و تجوع وتشبع وتحمد الله وتعبده وتعترف بفضله وراضية مطمئنه بحكمه سبحانه وتعالى وقد خلق الله جزءاً كبيرا من مخلوقاته ضعيفاً وصغيراً في الحجم ليختبر رحمة العباد في قلوبهم ولينظر لمنابع الرحمة في قلوب الرحماء فيصب عليهم رحمته ، ويباهى بهم ملائكته وخلق كذلك جزءا كبيرا من المخلوقات أشد وأعظم قوة وبنية من الإنسان ليتذكر ضعفه وذلته وليعلم أنه كما يدين يدان فيرجع إلى الله فهو ألمسَّخر لهذه الجنود وهو الذي يسلطها على من يشاء ويصرفها عن من يشاء من عباده فقد قال في كتابه الكريم{وَمَا مَن دَآبَّةٍ فِى اْلأرْضِ وَلاطَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إلآ أُ مَمٌ أَمْثَالُكم مَّا فَرَّطنََا فِى اْلكتَاب مِن شيء ثُمَّ إلى ربِّهمْ يُحْشَرُن } آية 38 من سورة الأنعام ، فمثلا تعلمنا من العنكبوت كيف نصنع الباراشوت وكيف نغزل نسيجا فهو يغزل صلبا يتحدى مثيله في السمك من الفولاذ هكذا أوضحت لنا بحوث العلماء النجباء بإثباتاتهم العلمية وتعلمنا كيف يكون الصبر من الحشرات التي تستطيع الصبر على الجوع والعطش فهذه المخلوقات الضعيفة قادرة وقوية على تحمل الألم وظلم الإنسان ، وهى لا تتزاحم وتتصارع على إغتصاب الكثير والكثير من نصيب غيرها بل تسير على نهج بصيرة قد يسرها وهداها لها الله ، فكلنا نعرف أنه إذا شبع السبع فلا يهاجم من حوله من الفرائس ويتركها ترعى في سلام حوله وكلنا سمع أو رأى كيف يرعى الذئب مع الغنم أو تأكل هرة مع كلب أو فأر يعيش في سلام مع قطة فهذه آيات عظيمة تبين لنا بعضا من وجوه الحكمة في وجود الخلق ورحمة الخالق البديع سبحانه وتعالى، ولن يكون الجشع والنهم هو مبدأ تعيش حياتها عليه كما يفعل الإنسان برعونته وصفات الإنسانية قد تبخرت في أكثر الناس في هذا الزمان الذي نحن فيه ، بل صار أكثرهم برغم ظلمه وعدوانه وإفترائه على الناس يسب ويلعن الزمان والدهر ولا يعرف أن الله هو الدهر وأن العيب فيه فلا يلعن إلا غباءه إن كان عاقلا ، فكل شيء خلقه الله لمنفعتك أنت أيها الإنسان ، وذلك لأنك خليفة الله في الأرض وينظر إليك كيف أنت فاعل فيمن حولك فكل شيء أنت مسؤل عنه ولأن ذلك جزء من ألأمانة التي سوف يسألك الله عنها فخذ أمورك بحكمة فرأس الحكمة مخافة الله ،ولكى نتعظ وتشتعل فى قلوبنا الرحمة ومعرفة فضل الله عينا وتخَيَّل الإنسان أن هذه الأجناس هي التي تسود الأرض وانقلبت الآية ، وأصبح هو في مقام حشرة أو حيوان ضعيف ومتناهي في الصغر مثلا أو قد صار قط أو قطة قد إشتد بها الجوع ، وأراد أو أرادت أن تنتزع كسرة خبز مثلا من بين يدى إنساناً هو في نظرها طبعاً عملاقاً والفرق بين عظمة الخليقتين شاسعا كي تسد بها رمقها أو رمقه فقام هذا الإنسان بضربها وتعذيبها أو قتلها أو تمزيقها إربا فهل هذا العدوان عليها تعتبره القطة في نفسها أنانية أو شراسة من هذا المخلوق فيشتد حنقها علية وتبدأ معه معركة شرسة تنتهي بفقد حياتها أم تفضل الإنصراف وتصبر على الجوع وتصف هذا الإنسان بعدم الرحمة للضعيف ؟ ، أم كيف يكون شعورها إن تبدَّل الأمر في الحقيقة وصار هذا الإنسان العملاق قزماً ضعيفا متناهي في الضعف والِّصِّغر فهل تذيقه مثل ما أذاقها من الإهانة والأنانية وحب النفس وكيف تكون أحوال المعيشة والدنيا فى عينيها ولمن تشكو وتلجأ في شكواها ؟!! وإن رجعت لطبيعتها وعادت إنسانا فهل تحتفظ بهذه المشاعر فترحم أو تنتقم ؟ هذا هو السائل المحروم أيها الإنسان وقد وصانا الله عليه خيرا فهل أنت فاعل ؟ فما جزاء الإحسان إلا الإحسان ، لقد أثبت العلم ذكاء الحشرات والحيوانات وخضوعها بحكمة لمن خلقها وفى هذا المضمار العلمى العجيب والغريب والذي يشد عقلك وانتباهك لحكمة خالق الكون وأسباب خلق كل شيء لأجلك أيها الإنسان فهل لو أعطيت لنفسك الفرصة أن تضع نفسك وتتخيل أنك كنت من بني جنس آخر غير بني جنس الإنسان أن تلجأ إلى الله ؟ وأن تعتبر نفسك محروماً لاحول لك ولا قوة أم كنت تحمد الله على القليل من الرزق وترى الدنيا كأنها قد فتحت أمامك بمصراعيها تنتهل منها ماتشاء أو كما تشاء ففي الحقيقة أن الأجناس الأخرى تحمد ربها وتشكره حتى على قليل القليل والذي لاتراه عين الإنسان المجردة ، ولو إستيقظنا من تلك التخيلات ورأينا أننا مازلنا من فصيلة بني الإنسان وأن الإمور مازالت على نصابها وقد فضلك الله على العالمين وأحسن صورتك وجعلك أمينا على بني الأجناس الأخرى فهل أنت أهل لذلك ؟ وهل سترحم هذا ألسائل المحروم من ألأجناس الأخرى ؟ أم تتراجع عن التدبر والتفكر وتحكم عقلك ؟
والإنسان الذي لايريد لنفسه أن يكون مخلوقا غبيا وضعيفا وتافها يأكل ويشرب ويلهو كما تأكل الأنعام فهو على هدى من ربه ويحتفظ بين جنبيه بقلب ينعم بالحكمة والحفاظ على كرامته كإنسان فيتسلح بالعلم والبحث في علوم القرآن ويتدبر بقدر المستطاع في آيات الله التي يصبها علينا رحمة بنا ويحمد الله على وضعه المشرف ومكانته التي يسود بها كل مخلوقات الأرض فيرحم من في الأرض فيرحمه من في السماء
فنحن قادمون على زوال وفى مكان لاقرار فيه ولا إستقرار ونؤمن بالرسالة الواحدة التي أنزلها الله تباعا على كل الرسل لنؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأتحدى أن يكون قد أتى رسول من بين كل هؤلاء الرسل قد دعا لغير توحيد الله سبحانه وتعالى وذكره ، والتراحم بين العباد وإقامة التآلف بين بني جميع الأجناس فكلها تتعاون وتتآلف وقد كتبت كثيرا عن نماذج كثيرة من بني هذه الأجناس في مقالاتي ومازلت أكتب ليعتبر الذين يريدون طريق الخشية والخضوع والعرفان لفضل خالق البرية والوجود وليستيقنوا أن الآخرة حق وكل ماوعد به الله حق وصدق وتبشير ونذير من قبل أن يأتي يوم لابيع فيه ولا خلال والله يدعوكم إلى دار السلام فهو رب الرحمة ، أما العذاب فهو الذي يختاره الإنسان لنفسه ، قال تعالى {مَّايَفْعَلُ اْللهُ بِعَذَابِكُم إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنتُم وَكَانَ اللهُ شَاكِراً عَلِيماً }آية147 من سورة النساء ، حتى الحشرات لها منافع ومن الواجب أن نستغلها ولها أضرار أيضا وتلك الأضرار تأتى إن أهملنا النظافة وسلكنا طريق العلم والرحمة فلن يقترب منا الضرر طالما قمنا بتحكيم العقل فمثلا الذباب لن يأتي ولن يتكاثر إلا إذا أهملنا نظافة المكان وأستعملنا عقولنا فى وضع طريقة صحيحة تمنع توالد الذباب وتكاثره فى المكان ولاننتظر حتى يتوالد الذباب ويتكاثر ، وقد وفرنا له سبل التكاثر وننتظر حتى يتكاثر فنقتله فهذه قلة نظافة وقلة تدبر وحيطه وتأتى من رعونة ألإنسان وعدم إهتمامه بالرحمة فالذباب له فوائد كثيرة وقد خلقه الله وأوجده على الأرض لحكمة عظيمة وليس كما يبدوا في نظر كثيراً من الناس أنه قد خلق وليس له فائدة إلا الضرر ، و لم نفطن للحكمة التي خلقه الله من أجلها ، ويعتبر من السذاجة أن يفتى أحدا بقتل مخلوق قد ظهر الضرر من تكاثره دون البحث و الحيطة والعمل على الوقاية من أضراره والإستفادة من منافعه، وتلك هي مشكلة أصحاب العقول المفكرة والرحيمة والعالمة ببعض بواطن الأمور ، ولذا يحثنا القرآن كثيرا على التدبر والتفكر والرحمة ، ومعنى ذلك أننا لو إستعملنا عقولنا لأستفدنا كثيرا من كل مخلوق قد خلقه الله وفى نفس الوقت تجنبنا مضاره وإنتشار كثير من الأمراض الفتاكة واستمتعنا بكل ماقد أوجده الله على الأرض محبة وتكريما لخليفته على الأرض ، وسوف أكتب فى رسائلي القادمة عن تلك الفوائد العلمية والتي أكتشفها العلم ودلت عليها الأبحاث وكيف نسترشد على فوائدها لمنافع الإنسان وإن فى ذلك لعبرة لقوم يوقنون بصدق الدين ومنازل الآخرة فيعتبروا ويزيدهم التدبر والتفكر نوراً يضيء طريق الإنسانية فى قلوبهم ويضيئهم نورا يوم القيامة عند مرورهم على الصراط فلا يسقطون فى ظلام الجحيم وتستقبلهم الملائكة ويحيطهم الله بوده ورحمته ذلك لمن خشي ربه ، فمتعة العلم لا تتضاهيها متعة ، وسوف أتحدث معكم عن غرائب عظيمة لمخلوقات قد يحتقرها كثير من الناس وهى تكتظ بمنافع عظيمة كلها آيات عظيمة لمن خلق هذا الكون ويديره وليزداد إيمان الذين يخشون الله وتمتلئ قلوبهم رحمة وشكرا
ألا هل بلغت....؟....أللهم فأشهد
وإلى حلقة قادمة بإذن الله إن كان لي فى العمر بقية.........ساديكو
[b]