الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
أتُراك تذكُرُني؟! نَعَم أنا هو! كتبتُ لك في مثل هذا اليوم قبل ستّ سنوات رسالتي المعنونة "حبيبي رمضان .. صحبتك السلامة".
في السنوات الخمس الماضية كنتُ في مثل هذا اليوم أعود لرسالتي تلك، أحمّلها بمزيد حبّ لك وأرسلُها لك مرة أخرى!
واليوم أكتب إليكَ مجدّداً لأصلَ ما انقطع، وأجدّدَ الودّ والعهد.
قد يكون اليوم آخر أيامك! قد ترحل اليوم أو غداً!
أنا على يقين أن الشمس ستشرق من جديد، ولكن ليس كما كانت تشرق فيك. أنا على يقين أنني سأرقُبُ آيات الله في الآفاق، ولكن ليس بالعين ولا بالقلب اللّذَين كنتُ أرقُبُ بهما فيك.
لا الهواء سيكون كمثله فيك، ولا الماء سيكون كمثله فيك، ولا الأشجار ستكون كمثلها فيك، ولا الأنهار ستكون كمثلها فيك، ولا الناس سيكونون كمثلهم فيك.
إنه فضل الله عليك وعلينا، وإكرام الله لك ولنا بك. كم أنا حامدٌ شاكرٌ لله أن بلّغني إياك وألهمني ذكرَه وشكرَه ودعاءَه فيك.
أأقولُ خذني معك؟! أوشكُ أن أقولها، فإنّي في أرجى حال لفضل الله ورحمته وعفوه.
أو شك أن أقولها ثم أعود! يحجزني عن قولها حديثُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "لا يتمنّينّ أحدكم الموت لضرّ أصابه، فإن كان لابدّ فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيراً لي"
وأنا والحمدُ لله ليس بي ضرّ، وإنّما هو الشّوق! والخوف أن أعودَ بعد رحيلك مقصّراً مفرّطاً.
سمعتُ وأطعتُ يا رسولَ الله. "اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفّني إذا كانت الوفاة خيراً لي"
أوشك أن أقول: "خذني معك" ثم أعود! يحجزني خوفٌ من دموع أمّي أن تسيل، وهي الحبيبة الغالية، وهي صاحبة الفضل والكرم، وهي التي تدعو كثيراً بلغة بسيطة مخلصة: "اللهم اجعل يومي قبل يوم ولدي!"
أخي الحبيب .. تعجز كلماتي عن شكرك، فكم لك عليّ من فضل وصنيع حسن!
أتذكرُ صحبتَنا قبلَ عشر سنوات؟! حين أكرمتَني وأقبلتَ بي على القرآن أتلوهُ وأحفظُ آياته. وحين جاء وقتُ رحيلك قلتَ لي: يا أخي ينبغي لك أن تحفظَ القرآن! فوعدتّك أن أحاول!
وحين التقينا في العام الذي يليه كنتُ قد حفظتُ القرآنَ بتوفيق الله وكرمه! لن أنسى لك هذا الفضلَ ما حييتُ!
إن أفضالك عليّ كثيرة، وذلك كلّ عام!
أكون بعيداً فتقربني، أكون خائفاً وجلاً فتؤمّنني و تطمئني، أكون محمّلاً بالآثام فتطهرني، أكون حزيناً فتفرحني، أكون متشائماً فتأتيني بالأمل والتفاؤل. أكون وأكون! لا أستطيع إحصاء أفضالك عليّ التي هي من فضل الله عليّ وعليك ورحمة الله بي وبك.
أنت حتماً ستعود، ما لم تقم السّاعة! أما أنا فقد لا أعود، وقد أنتقل من دار الفناء إلى دار البقاء، حينها سألقاك، إن شاء الله، وأُذكّرُك صحبتَنا! وستذكُرُ أنت لربّي وربّك أنّني كنتُ فيك من .... لا أستطيعُ ذكرَها! لله الفضلُ والمنّة وليس لنا منّة عليه ولا فضل! كلّ ما في الأمر أننا نرجوه ونطمعُ في رحمته!