لسنا أعداء حتى نتصالح.. ولكن!!
حفيظ دراجي
ترددت كثيرًا قبل الكتابة في موضوع اللقاء؛ الذي جمع رئيس الاتحاد
الجزائري بنظيره المصري، حتى لا يُساء فهمي مجددا هنا وهناك، وحتى أطلع على
مختلف ردود الفعل والتعاليق أيضا، وحتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود لكل
من شكك في النوايا، أو تعمّد سوء الفهم، أو خلط هذا بذاك. ويفهم الإخوان أن
الذي يتعدى الخطوط الحمراء مع الجزائر يخسر مودة ومعزة شعب كريم صبور، لا
ينسى أصحابَ الفضل عليه ولا يتنكر للجميل، مثلما لا يغفر لمن يسيء إليه
ويمس مقدساته ومقوماته ومشاعره ونساءه ورجاله..رئيس الاتحاد الجزائري مع نظيره المصري وضع الأمور في نصابها الرياضي، ضمن
حدود صلاحياته وقناعاته بأن الاتحادين مدعوان للعمل سويا، والتعامل بحكم
انتمائهما لنفس المنطقة الجغرافية في الكاف والاتحاد العربي واتحاد شمال
إفريقيا، ولبى نداء الإخوان في قطر، ونداءات الشرفاء في الوسط الرياضي
المصري والجزائري.أما ما يتعلق بالمصالحة بين البلدين والشعبين والاعتذار من عدمه فإن روراوة
وضع اللقاء والمبادرة القطرية في نصابها، وجدّد التأكيد على أننا لن نغفر
للذين أساؤوا إلى تاريخنا وشهدائنا ورموزنا من أولئك الإعلاميين والمثقفين
والفنانين والمحامين وبعض الرياضيين، وبالتالي فإن المشكلة لم تكن بين
روراوة وزاهر، ولا بين الشعبين الجزائري والمصري، وإن الذين أساؤوا إلى
الجزائر يجب أن يتصالحوا مع أنفسهم؛ لأن الجزائر ليست بحاجة إلى مصالحة،
ولا تنتظر اعتذارا من دولة مصر أو شعبها، ولا ننتظر اعتذارا ممن أساؤوا
إلينا؛ لأننا لن نقبله ولسنا بحاجة إليه، كما أنه لن يزيد أو ينقص من قيمة
الجزائر ورصيدها، وإذا كان لا بد من الاعتذار فيجب أن يقدمه المسيئون إلى
الشرفاء في مصر؛ لأن الإساءة كانت لشعب مصر وسمعة مصر عندما تكالبت علينا
الفضائيات وأشبعتنا سبًا وشتمًا وإهانة لم يسلم منها حتى الشهداء؛ الذين
اغتالهم الإخوان مرة أخرى.وعندما نقول بأننا لسنا بحاجة إلى مصالحة أو اعتذار فإننا نؤمن حقا بأن
الاعتذار والمصالحة والعفو لا محل لها من الإعراب بين الإخوان، وليست هناك
عداوة بين مصر والجزائر، وكل ما نريده ونحتاج إليه هو الاحترام المتبادل
بيننا، وأن يعرف كل واحد قدره دون استعلاء أو استصغار، ودون مزايدة بعضنا
على بعض؛ لأننا لسنا المنافسين الفعليين لبعضنا البعض.نحن بحاجة إلى فهم بعضنا البعض، وأن يضع كل طرف نفسه مكان الآخر، وأن نضع
التنافس الرياضي في إطاره بين رياضيين وليس بين شعبين أو دولتين.نحن بحاجة إلى وضع الأرجل على الأرض والخروج من قوقعتنا العربية والإفريقية
إلى العالمية، والاهتمام بمشاكلنا وهمومنا الفعلية، ومحاولة معالجتها
وتجاوزها بالعلم والمعرفة والتربية والأخلاق، لا بلغو الكلام وتوزيع
الشتائم. نحن بحاجة إلى مزيد من الصبر على بعضنا البعض، وإلى مزيد من الجهد
والحب بعيدا عن النفاق والمجاملات.نحن بحاجة إلى إعلام محترف مسؤول يبتعد عن الغوغاء والأنانية والنرجسية
والكلام الفارغ، ويقترب من جمهوره ومتتبعيه، ويمنحهم الحقيقة ولو كانت مرة،
فلا يكذب ولا يفتري.نحن بحاجة إلى إعطاء الوقت كي يداوي الجراح؛ التي لن تضمد في الجزائر بقرار
فوقي، ولا بمصافحة بين روراوة وزاهر؛ لأن مشكلتنا ليست مع الاتحاد المصري،
وليست مع الصبية الذين رشقوا الحافلة، ولا مع لاعبي مصر وجماهيرها، وإنما
مع صفوة المجتمع المصري؛ الذين سقطوا إلى الحضيض في أعين كل العرب، وكشفوا
عن عوراتهم وتخلفهم وعدم قدرتهم على أداء دورهم وواجبهم الاجتماعي
والحضاري، وانساقوا وراء مكاسب ظرفية لم ينالوا منها سوى الاحتقار.الجزائريون قلبوا الصفحة لكنهم لم يمزقوها، واكتفوا بالتفوّق فوق الميدان
والتأهل إلى المونديال، وبإدانة الفيفا الذي منحهم حقهم الأخلاقي والمعنوي،
وخرجوا من المحنة أكثر قوة وتماسكًا ووعيًا بأن عودتهم إلى الواجهة تقلق
وتُحرج، وأن الجزائر ليست في صراع وتنافس مع مصر أو مع غيرها، وإنما صراعها
متواصل؛ من أجل العيش الكريم لأبنائها؛ ومن أجل الرقي واللحاق بركب
البلدان والمجتمعات المتطورة، وضمان مستقبل جيل لا ينظر إلى الوراء.وحتى أكون منصفًا أجدد تذكير الإخوان في مصر بأن الجزائريين الأحرار لا
ترضيهم أيضا الإساءة إلى سمعة مصر ورموزها وتاريخها مهما كان السبب،
ودفاعنا عن شرفنا وبلدنا لا يقودنا إلى الاعتداء على شرف الآخرين، كما أن
حبنا لوطننا وكرامتنا لا يدعواننا إلى كراهية غيرنا أو الحقد عليهم والمساس
بمشاعرهم، وخاصة إذا كان السبب خسارة في مباراة لكرة القدم.لسنا أعداء حتى نتصالح، ولكننا أيضا لسنا أحبابا و"سمنا على عسل"؛ لأن الحبيب لا يجرح حبيبه، ومن يقول غير ذلك فهو كاذب.نقلا عن جريدة "الشروق" الجزائرية