كيف تربي ولدك على الرجولة ؟
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
وبعد :
فإن مما يعاني منه كثير من الناس اليوم وخاصة الآباء ظهور الميوعة وآثار
الترف في شخصيات أولادهم ،
ولمعرفة حل هذه المشكلة لا بد من لإجابة على سؤال مهم وهو : كيف ننمي عوامل
الرجولة في شخصيات
أطفالنا ؟* إن موضوعَ هذا السؤال من المشكلات التربوية الكبيرة في هذا
العصر ،
وهناك عدة حلول إسلامية وعوامل شرعية ، لتنمية الرجولة في شخصية أبناءنا ،
ومن ذلك ما يلي :
1. التكنية .
فمناداة الصغير بأبي فلان أو الصغيرة بأم فلان ينمي الإحساس بالمسئولية ،
ويشعر بأنه أكبر من سنة
فيزداد نضجه ، ويرتقي بشعوره عن مستوى الطفولة المعتاد ، ويحس بمشابهته
للكبار ،
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكني الصغار فعن أنس رضي الله عنه قال :
كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً ، وكان لي أخ يقال له أبو
عمير- قال :
أحسبه فطيماً - وكان إذا جاء قال : يا أبا عمير ما فعل النغير ؟! [ رواه
البخاري 5735 ]
وعن أم خالد بنت خالد قالت : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بثيابٍ فيها
خميصة سوداء صغيرة
( الخميصة ثوب من حرير) فقال : ائتوني بأم خالد فُأتي بها تُحمل ( وفيه
إشارة إلى صغر سنها )
فأخذ الخميصة بيده فألبسها وقال : أبلي وأخلقي ، وكان فيها علم أخضر أو
أصفر، فقال :
يا أم خالد ، هذا سناه ، وسناه بالحبشية حسنٌ " [ رواه البخاري 5375 ] وفي
رواية للبخاري أيضاً :
فجعل ينظر إلى علم الخميصة ويشير بيده إليَّ ويقول : يا أم خالد ، هذا سنا ،
والسنا بلسان الحبشية الحسن "
[ رواه البخاري 5397 ]
2. أخذهم للمجامع العامة وإجلاسهم مع الكبار .
وهذا مما يلقح فهمه ويزيد في عقله ويحمله على محاكاة الكبار ، ويرفعه عن
الاستغراق في اللهو واللعب ؛
وكذا كان الصحابة يصحبون أولادهم إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ومن
القصص في ذلك :
ما جاء عن معاوية بن قرة عن أبيه قال : كان نبي الله صلى الله عليه وسلم
إذا جلس يجلس إليه نفرٌ من أصحابه
وفيهم رجلٌ له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره ، فيقعده بين يديه .. الحديث
[ رواه النسائي ، وصححه الألباني في أحكام الجنائز ]
3. تحديثهم عن بطولات السابقين واللاحقين والمعارك الإسلامية وانتصارات
المسلمين .
لتعظيم الشجاعة في نفوسهم ، وهي من أهم صفات الرجولة ، وكان للزبير بن
العوام رضي الله عنه طفلان
أشهد أحدهما بعض المعارك ، وكان الآخر يلعب بآثار الجروح القديمة في كتف
أبيه كما جاءت الرواية
عن عروة بن الزبير : أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير
يوم اليرموك : ألا تشد فنشد معك ؟
فقال: إني إن شددت كذبتم ، فقالوا : لا نفعل ، فحمل عليهم ( أي على الروم )
حتى شق صفوفهم فجاوزهم
وما معه أحدٌ ، ثم رجع مقبلاً فأخذوا ( أي الروم ) بلجامه ( أي لجام الفرس )
فضربوه ضربتين على عاتقه
بينهما ضربة ضُربها يوم بدر ، قال عروة : كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات
ألعب وأنا صغير ، قال عروة :
وكان معه عبدالله بن الزبير يومئذٍ وهو ابن عشر سنين فحمله على فرس ووكّل
به رجلاً "
[ رواه البخاري رقم 3678 ]
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث : وكأن الزبير آنس من ولده عبدالله
شجاعة وفروسية ،
فأركبه الفرس وخشي عليه أن يهجم بتلك الفرس على ما لا يطيقه ، فجعل معه
رجلاً ليأمن عليه من كيد العدو
إذا اشتغل هو عنه بالقتال ، وروى ابن المبارك في الجهاد عن هشام بن عروة عن
أبيه عن عبدالله بن الزبير
أنه كان مع أبيه يوم اليرموك ، فلما انهزم المشركون حمل فجعل يجهز على
جرحاهم "
[ أي يكمل قتل من وجده مجروحاً ، وهذا مما يدل على قوة قلبه وشجاعته من
صغره ]
3. تعليمه الأدب مع الكبار .
ومن جملة ذلك ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
يسلم الصغير على الكبير ، والمار على القاعد ، والقليل على الكثير" [ رواه
البخاري 5736 ] .
4. إعطاء الصغير قدره وقيمته في المجالس .
ومما يوضح هذا العنصر ذلك حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال : أتي النبي
صلى الله عليه وسلم بقدح
فشرب منه وعن يمينه غلام أصغر القوم والأشياخ عن يساره فقال : يا غلام
أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ ؟
قال : ما كنت لأوثر بفضلي منك أحداً يا رسول الله فأعطاه إياه" [ رواه
البخاري 218 ]
5. تعليمهم الرياضات الرجولية .
كالرماية والسباحة وركوب الخيل ، وجاء عن أمامة بن سهل قال : كتب عمر رضي
الله عنه إلى أبي عبيدة
بن الجراح أن علموا غلمانكم العوم [ رواه الإمام أحمد في أول مسند عمر بن
الخطاب ] .
6. تجنيبه أسباب الميوعة
فيمنعه وليه من رقص كرقص النساء ، وتمايل كتمايلهن ، ومشطة كمشطتهن ،
ويمنعه من لبس الحرير والذهب ،
وقال مالك رحمه الله " وأنا أكره أن يُلبس الغلمان شيئاً من الذهب لأنه
بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى عن تختم الذهب ، فأنا أكرهه للرجال الكبير منهم والصغير" [ موطأ مالك ]
7. تجنب إهانته خاصة أمام الآخرين ،
وعدم احتقار أفكاره وتشجيعه على المشاركة وإعطاؤه قدره وإشعاره بأهميته .
وذلك يكون بأمور مثل : إلقاء السلام عليه ، وقد جاء عن أنس بن مالك رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم مر على غلمان فسلم عليهم " [ رواه مسلم 4031 ] وكذلك استشارته وأخذ
رأيه وتوليته مسؤوليات تناسب
سنه وقدراته واستكتامه الأسرار فعن أنس رضي الله عنه قال : أتى علي رسول
الله صلى الله عليه وسلم
وأنا ألعب مع الغلمان ، قال : فسلم علينا فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي ،
فلما جئت قالت : ما حبسك ؟
قلت : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة . قالت : ما حاجته ؟ قلت :
إنها سرٌ . قالت :
لا تحدثن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا ً" [ رواه مسلم 4533 ] وفي
رواية عن أنس رضي الله عنه قال :
انتهى إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام في الغلمان فسلم علينا
، ثم أخذ بيدي فأرسلني برسالة
وقعد في ظل جدار- أو قال إلى جدار- حتى رجعت إليه " [ رواه أبو داوود ] وعن
ابن عباس رضي الله عنه قال :
كنت غلاماً أسعى مع الغلمان فالتفت فإذا أنا بنبي الله صلى الله عليه وسلم
خلفي مقبلاً فقلت :
ما جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا إلي ، قال : فسعيت حتى أختبئ وراء
باب دار ، قال :
فلم أشعر حتى تناولني فأخذ بقفاي فحطأني حطأة ( ضربه بكفه ضربة ملاطفة
ومداعبة ) فقال :
اذهب فادع لي معاوية قال : وكان كاتبه فسعيت فأتيت معاوية فقلت :
أجب نبي الله صلى الله عليه وسلم فإنه على حاجة " [ رواه الإمام أحمد ]
وهناك وسائل أخرى لتنمية الرجولة لدى الأطفال منها :
o تعليمه الجرأة في مواضعها ، ويدخل في ذلك تدريبه على الخطابة .
o الاهتمام بالحشمة في ملابسه وتجنيبه الميوعة في الأزياء ، وقصات الشعر
والحركات والمشي ،
وتجنيبه لبس الحرير الذي هو من طبائع النساء .
o إبعاده عن الترف وحياة الدعة والكسل والراحة والبطالة ، وقد قال عمر رضي
الله عنه:
اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم.
o تجنيبه مجالس اللهو والباطل والغناء والموسيقى ، فإنها منافية للرجولة
ومناقضة لصفة الجد .
هذه طائفة من الوسائل والسبل التي تزيد الرجولة وتنميها في نفوس الأطفال ،
نسأل الله أن يصلح لنا ولكم النية والذرية وصلى الله وسلم وبارك على نبي
الله محمد وعلى آله وصحبه وسلم