إنّه لمن المدهش أن تشاهد المآذن الرائعة الجمال وأنت على الأرض تنظر إليها تشقّ عنان السماء مرتفعة بقاماتها تشهد بوحدانية الواحد الأحد ومن خلالها ينادى على الناس أجمعين أن هلموا إلى أرض بيت المقدس ، هلموا إلى الطهر والعفاف ، حيث الركوع والسجود والطهارة ومضاعفة الأجر ، نعم إنّها مآذن مدهشة في بنيانها وإتقانها ودورها ولكن هناك ما هو أشد دهشة حينما تصعد من على ظهر هذه المآذن لتشهد أرض المحشر والمنشر وتعيش في خيال واسع لا تنتهي معه الكلمات ولا تحدّه حدود الصورة .
وحتى نعيش مع هذه الآيات العمرانية التي ينبغي النظر إليها صباح مساء والعمل على حفظها ورعايتها ومعرفة الأيادي التي سطرتها ورفعتها لا بد أن نقول:ـ
أوّلا : عدد المآذن في الأقصى
هي أربعة مآذن يعود تاريخ إنشاؤها جميعاً إلى الفترة المملوكية أي في عهـد المماليك رحمة الله عليهم في الفترة الواقعة ما بين (677 ـ 769هـ ) أي ( 1278 ـ 1367م ) ، تقع ثلاثة منها على امتداد الجهة الغربية للحرم القدسي الشريف ابتداء من باب الغوانمة ثم باب السلسلة ثم باب المغاربة والرابعة تقع في الجهة الشمالية بين باب الأسباط وباب حطة .
ثانياً : لماذا لا توجد مآذن في الجهة الجنوبية والشرقية ؟
إنّ الدارس لطبغرافية الأرض التي بني عليها الأقصى وما فيه من قباب ومدارس وعمائر ليدرك تماماً أنّ هناك سببين واضحين : ـ
أ - الأقصى بني على تلّة ارتفعت في الوسط والشمال وانخفضت في الشرق والجنوب والمآذن بحاجة إلى مكان صلب ومرتفع .
ب - النشاط الإنساني والسكان بعـد الفترة الأموية تمركز فـي الجهة الغربية والشمالية وكانت الحاجة لاستخدامها في هذه الجهات أكثر من غيرها .
ثالثاً : المآذن الأربعة مع مواقعها وتاريخ إنشائها ووصف عام لها .
1 - مئذنة باب الغوانمة .
تقع في الزاوية الشمالية الغربية للحرم القدسي الشريف عند باب الغوانمة نسبة إلى بني غانم ، وقد تمّ بناؤها في عهد السلطان الملك المنصور حسام الدين الأمين سنة 696 /689 هـ ـ 1297 /1299م وهي تقوم على قاعدة رباعية الأضلاع وبدن المئذنة رباعي والجزء العلوي ثماني الأضلاع ، وهي في غاية الإتقان يصعد إليها ب 120 درجة وهي من أعلى المآذن وأجملها ، تمّ تجديدها مرة ثانية في عهد السلطان نفسه ورممت في زمن المجلس الإسلامي الأعلى ويتم ترميمها حالياً من قبل لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك .
2 - مئذنة باب السلسلة .
تقع في الجهة الغربية للحرم القدسي الشريف بين باب السلسلة والمدرسة الأشرفية ، بنيت فـي عهـد السـلطان الملك الناصر بـن قـلاوون سـنة 730 هـ / 1329م ، وتعتبر المئذنة اليوم في موقع حساس جداً حيث تشرف على حائط البراق ويصعد إليها من خلال مدخل المدرسة الأشرفية بحوالي 80 درجة وهي مربعة القاعدة والأضلاع ، وقد قامت لجنة إعمار المسجد الأقصى بعمل ترميم كلي لها وكست قبة المئذنة بالرصاص .
3 - مئذنة باب المغاربة .
تقع في الركن الجنوبي الغربي للحرم القدسي الشريف ، واشتهرت بالمئذنة الفخرية نسـبة للشيخ القاضي شرف الدين عبد الرحمن بن الصاحب الوزير فخر الدين الخليلي ، وهو الذي أشرف على بنائها وبنـاء المدرسة الفخرية في عام 677هـ / 1278 في عهد السلطان الملك السعيد ناصـر الدين بركة خان .
والمئذنة اليوم يصعد إليها من الساحة أمام المتحف ب 50 درجة ، وقد قامت لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك بترميمها وكسوت قبتها بالرصاص .
4 - مئذنة باب الأسباط .
تقع في الجهة الشـمالية للحرم القدسـي الشريف بين باب الأسباط وباب حطة ، وقد بنيت في عهد السلطان الملك الأشرف شعبان على يدي الأمير سيف الدين قطلوبغا في سنة 769هـ / 1367م ، وهذه المئذنة هي الوحيدة الاسطوانية الشكل على غرار المئذنة العثمانيـة ، وفعلاً بعد التحقيق تبين بـأن قاعدة هـذه المئذنة رباعية وفي الفترة العثمانية أعيـد بناؤها بشـكل أسطواني وقـد رممها المجلس الإسلامي الأعلـى فـي عام 1941 وقامت لجنة إعمار المسجد الأقصى بترميمها حاليـاً وكست قبتها بالرصاص .
ختاماً :
صبراً أيتها المآذن التي لم تنحني ولم تركعي إلاّ لله رب العالمين اصبري كما صبرت على أوغاد الصليبيين الذين جعلوك أجراس تقرع .
إنّي أعلم تماماً أنّك باكية حزينة وكم ناديت ، وكم هزني نداءك في السحر ، وكم بكيت ، اصبري فلعل بكاؤنا يغسل ذنوبنا ويصبح وضوءاً نتطهر به للسير نحوك لفك الأسر القريب إن شاء من أبواب الأقصى الحزين فاتحين محررين في الحلقة القادمة بإذن الله .
النسر الاسود مشرف
عدد المساهمات : 1934 تاريخ التسجيل : 14/02/2010 العمر : 33 الموقع : باتنة