أحب أن أعرف مدى صحة ذلك الحديث ، مع الرد بالتفصيل ، وجزاكم الله خيرا: ( خرج النبي محمد صلى الله عليه يوما في الطريق للجهاد ، وبعد اختيار موقع المعركة قال لأصحابه : كلوا مما تريدون . وما إن بدؤوا في تناول طعامهم حتى قال أحد الصحابة : يا رسول الله ! ليس هناك شيء نأكله مع الخبز . ثم رأى الصحابي نحلة تحوم محدثة جلبة بالقرب ، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم : لماذا تحدث النحلة هذا الصوت ؟ فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم : إنها تقول : إن رفقاءها من النحل منزعجون ، لأن الصحابة لا يجدون ما يأكلونه مع الخبز ، وأن لديهم منحل عسل قريب في الكهف ، لكنهم لا يستطيعون حمله للصحابة . فأشار النبي صلى الله عليه وسلم : يا علي ! اتبع تلك النحلة واجلب لنا العسل . فتبعها علي ، وأحضر وعاء من العسل ، وبمجرد أن انتهى الصحابة من الأكل ، جاءت النحلة وطافت محدثة جلبة مرة أخرى . فسأل أحد الصحابة : يا رسول الله ! لماذا هذا ؟ فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم : لقد سألتُ النحلة عن طعامها ، فكان جوابها أن طعامها من الأزهار في التلال والغابات ، فعدت وسألتها : أيتها النحلة ! إن كان طعامك من الأزهار والورود وهو مر ، فكيف يتحول إلى عسل حلو ؟ قالت : يا رسول الله ! لأن من بيننا ملكة غنية تصلي وتسلم عليك ، وكل النحل الباقي يصلي ويسلم عليك فيتحول الحامض والمذاق الغير حلو والمر من رحيق الأزهار إلى شراب حلو بسبب أجر الله من الدعاء ، حتى يتحول هذا الشراب إلى عسل يعالج كل الأمراض عدا الموت )
الجواب :
الحمد لله
لا أصل لهذا الحديث في كتب السنة والآثار ، ولم يذكره أحد من أهل العلم ، لا مُقرا ولا آثرا ، وإنما تتناقله بعض كتب الرافضة التي ينتشر فيها الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ككتاب " خزينة الجواهر " (ص/586) لعلي أكبر نهاوندي ، وهو كتاب مليء بالخرافات والأقاصيص التي لا سند لها ولا زمام ، وإنما يبدو أنها من وضع عوام الشيعة ، فيثبتها علماؤهم في كتبهم ، فهم يستحلون الكذب في مثل هذه الأحاديث ، ولا يرعوون عن ذكرها والاستشهاد بها.
وأما أهل السنة فهم حريصون كل الحرص على نقاء الكتب من الأحاديث التي لا أصل لها ، وأقاموا لذلك علوما عظيمة أُنفقت فيها الأعمار والأموال على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان ، فلا يروج على علمائنا أمثال هذه الأحاديث ، وإن كنا نؤمن أن الصلاة والسلام على النبي وآله من أفضل الأعمال عند الله ، ولها فضائل ثابتة كثيرة ، يمكن مراجعتها في كتاب " جلاء الأفهام " للعلامة ابن قيم الجوزية ، ولكنا نقف عند حدود الله ، ولا نفتري الكذب عن فضائل الأعمال التي لم ترد بها الأدلة الصحيحة .
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
" فإن زعم هؤلاء الجهلة الكذبة على الله ورسوله وعلى أئمة الإسلام ومصابيح الظلام أن هذه الأحاديث صحت عندهم ؟
قلنا لهم : هذا محال في العادة ، إذ كيف تتفردون بعلم صحة تلك ، مع أنكم لم تتصفوا قط برواية ، ولا صحبة محدث ، ويجهل ذلك – يعني الحديث المكذوب المذكور في كتبكم - مهرة الحديث وسبَّاقه الذين أفنوا أعمارهم في الأسفار البعيدة لتحصيله ، وبذلوا جهدهم في طلبه ، وفي السعي إلى كل من ظنوا عنده شيئا منه ، حتى جمعوا الأحاديث ، ونقبوا عنها ، وعلموا صحيحها من سقيمها ، ودوَّنُوها في كتبهم على غاية من الاستيعاب ، ونهاية من التحرير .
وكيف والأحاديث الموضوعة جاوزت مئات الألوف ، وهم مع ذلك يعرفون واضع كل حديث منها ، وسبب وضعه الحامل لواضعه على الكذب والافتراء على نبيه ، فجزاهم الله خير الجزاء وأكمله ، إذ لولا حسن صنيعهم هذا لاستولى المبطلون والمتمردة المفسدون على الدين ، وغيروا معالمه ، وخلطوا الحق بكذبهم حتى لم يتميز عنه ، فضلُّوا وأضلُّوا ضلالا مبينا .
لكن لما حفظ الله على نبيه شريعته من الزيغ والتبديل ، بل والتحريف ، وجعل من أكابر أمته في كل عصر طائفة على الحق ، لا يضرهم من خذلهم ، لم يبال الدين بهؤلاء الكذبة المبطلة الجهلة ، ومن ثم قال : ( تركتكم على الواضحة البيضاء ، ليلها كنهارها ، ونهارها كليلها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك )
ومن عجيب أمر هؤلاء الجهلة : أنا إذا استدللنا عليهم بالأحاديث الصحيحة...أتوا بأخبار باطلة كاذبة متيقنة البطلان ، واضحة الوضع والبهتان ، لا تصل إلى درجة الأحاديث الضعيفة التي هي أدنى مراتب الآحاد ، فتأمل هذا التناقض الصريح ، والجهل القبيح ، لكنهم لفرط جهلهم وعنادهم وميلهم عن الحق يزعمون التواتر فيما يوافق مذهبهم الفاسد وإن أجمع أهل الحديث والأثر على أنه كذب موضوع مختلق ، ويزعمون فيما يخالف مذهبهم أنه آحاد وإن اتفق أولئك على صحته ، وتواتر رواته ، تحكما وعنادا ، وزيغا عن الحق ، فقاتلهم الله ما أجهلهم وأحمقهم " انتهى باختصار.
" الصواعق المحرقة " (1/124)
والله أعلم .