بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تقديم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فإن الله تعالى أوضح سبيل الدعوة ومنهاجها بقوله : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
قال ابن كثير رحمه الله : " . . . أن هذه سبيله ، أي : سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريقه ومسلكه وسنته ، وهي الدعوة إلى شهادة ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ، ويقين وبرهان ، هو وكل من اتبعه ، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي " .
وقد عرّف العلماء البصيرة ، فقال البغوي رحمه الله : " والبصيرة : هي المعرفة التي تُميّز بها بين الحق والباطل " .
وقال القرطبي رحمه الله : عَلَى بَصِيرَةٍ أي : على يقين وحق " .
وقال الراغب رحمه الله : عَلَى بَصِيرَةٍ أي : على معرفة وتحقيق " .
وذكر الكفوي رحمه الله البصيرة بأنها : " قوة في القلب تدرك بها المعقولات ، وقوة القلب المدركة بصيرة " .
وبين ابن عاشور رحمه الله البصيرة بأنها : " هي الحجة الواضحة " .
ولأهمية البصيرة كانت من الفرائض ، كما أشار إلى ذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في مسائل : " كتاب التوحيد " .
قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله : " ووجه ذلك : أن اتباعه صلى الله عليه وسلم واجب ، وليس أتباعه حقًّا إلا أهل البصيرة ، فمن لم يكن منهم فليس من أتباعه ، فتعيّن أن البصيرة من الفرائض " .
والبصيرة من أعلى درجات العلم ، كما أشار إلى ذلك ابن القيم بقوله : " أعلى درجات العلم : البصيرة ؛ التي تكون نسبة العلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر ، وهذه هي الخِصّيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة ، وهي أعلى درجات العلماء " .
والبصيرة في الدعوة لا تختص بالعلم الشرعي فقط ، بل تشمل : العلم بالشرع ، والعلم بحال المدعو ، والعلم بالسبيل الموصل إلى المقصود ، وهو الحكمة ، فيكون بصيرا بحكم الشرع ، وبصيرا بحال المدعو ، وبصيرا بالطريق الموصلة لتحقيق الدعوة .
تظهر أهميّة البصيرة في الدعوة في أمور منها :
أن البصيرة صفة من صفات الأنبياء والعلماء الراسخين .
2 - أن البصيرة ركن من أركان الدعوة وقاعدة من قواعدها الكبرى .
3 - البصيرة في الدعوة تجنب الداعية الضعف في الرأي ، والانحراف في المنهج .
4 - بالبصيرة تستثمر الأوقات ، وتعرف الأولويات ، ويُعطى كل ذي حق حقه .
وقد أجاد الشيخ عزيز بن فرحان العنزي في كتابه " البصيرة في الدعوة إلى الله " حيث احتوى كتابه على محورين هامين ؛ هما . البصيرة فيما يدعو إليه الداعية ، والبصيرة في حال المدعوين ، وكيفية دعوتهم ، وقد ضمَّن المحورين فصولًا مهمة ، ربط المؤلف فيه بين المنهج العلمي والعملي في طرحه لهذا الموضوع فجزاه الله خيرا ، وشكر الله له صنيعه ، ووفقه وإخوانه الدعاة لخدمة الإسلام والمسلمين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . .
وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ