كيف نرتل القرآن الكريم
قال تعالى : ورتل القرآن ترتيلا ( المزمل :4 ).
اتّفق علماء التجويد والقراءات وأئمة الأداء على أن القرآن الكريم يجب أن يتلى بكيفيّة مخصوصة, كما أنزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وكما تلقّاه عنه الجمّ الغفير من الصحابة الكرام ولقّنوه لمن بعدهم دونما أيّ إخلال حرف من حروفه , ولا حركة من حركاته.
وهذه الكيفية هي: تجويد كلماته , وتقويم مخارج حروفه ,
وتحسين أدائه , بإعطاء كل حرف حقّه ومستحقّه من الإتقان , والترتيل , والإحسان.
وهي المرادة بقوله الله تعالى ( ورتل القرآن ترتيلا ) . قال ابن عباس : أي بيّنه , وقال مجاهد : تأنّ فيه. وقال الضحاك : انبذه ( أخرجه ) حرفاً حرفاً ,
وافصل الحرف من الحرف الذي بعده .
وهكذا كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم غايةً في الترتيل والتّؤدة , وآيةً في الإتقان والجودة.
وسئلت أم سلمة زوجة النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم عن قراءة الرسول عليه الصلاة والسلام فإذا هي تنعت
قراءة مفسرة حرفاً حرفاً , أي واضحة المخارج والصفات.
وقال الإمام المحقق ابن الجزري (( ولا شك أن الأمة كما هم متعبّدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده , متعبّدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصّفة المتلقّاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية التي لا تجوز مخالفتها , ولا العدول عنها إلى غيرها.
وقال أيضا : (( فليس التجويد بتمضيغ اللّسان , ولا بتقعير الفم , ولا بتعويج الفكّ , ولا بترعيد الصوت , ولا بتمطيط الشدّ , ولا بتقطيع المدّ , ولا بتطنين الغنّات , ولا بحصرمة الراءات ,
قراءةً تنفر منها الطّباع , وتمجّها القلوب والأسماع , بل القراءة السّهلة العذبة الحلوة اللّطيفة.
تمضيغ اللسان : هو لوك الحروف باللسان , بأن تخرج الحروف الشديدة رخوة.
تقعير الفم : التشدّق , وذلك بأن يخرج القارئ الحروف من أقصى الفم بمبالغة وتفاصح.
التعويج : ضد الاعتدال , وذلك بأن يميل القارئ فكّه في بعض الحروف فتخرج ممالة معوجة.
ترعيد الصوت : رجرجته وتحريكه , كالذي يرتعد من البرد أو الألم.
تقطيع المدّ : هو أن ينطق القارئ بحروف المد , فيرفع صوته فيها ثم يخفضه ,
كأنه يريد السكوت ثم يعود فيرفعه على حسب إيقاعات النغم ,
والمقامات المتعارف عليها .
تمطيط الشدّ : أي تطويل المدة الزمنية في نطق الحرف المشدد عن مقدارها المحدد.
تطنين الغنات : هو شدة إلصاق اللسان بمخرج النون بمبالغة وتطويل لزمن الغنة ,
وأما تطنين الغنة في الميم فهو أيضاًَ بإلصاق اللسان أثناء انطباق الفم ,
والصحيح أن اللسان يبقى معلقاً .
الحصرمة : يقال: حصرم القوس : إذا شدّ وترها , وهنا يمكن أن يقال: هي شدّ الأوتار الصوتية وعضلات أعضاء النطق , أو المبالغة في إخفاء تكرير الراء حتى تخرج كأنها طاء.
وقال الشيخ محمود خليل الحصري :
ولا يكون ذلك إلا بتصحيح إخراج كل حرف من مخرجه الأصلي المختص به تصحيحاً يمتاز به عن مقاربه , وتوفية كل حرف صفته المعروفة به توفيةّ تخرجه عن مجانسه , مع تيسير النطق به على حال صفته , وكمال هيئته , من غير تشدّق ولا إسراف , ولا تصنع ولا اعتساف , ومع العناية بإبانة الحروف , وتمييز بعضها من بعض, وإظهار التّشديدات , وتوفية الغنّات , وإتمام الحركات, ومع تفخيم ما يجب تفخيمه , وتريق ما يجب ترقيقه , وقصر ما ينبغي قصره, ومدّ ما يتعيّن مدّه , ومع ملاحظة الجائز من الوقوف والممنوع منها, إلى غير ذلك من الأحكام التي وضعها أئمة القرآن.
مقتبس من كتاب الشيخ يحيى الغوثاني
( علم التجويد أحكام نظرية وملاحظات تطبيقية )
نقلاً عن الدكتور يحيى الغ