هو سليمان بن داود -عليهما السلام- من سبط يهوذا بن يعقوب، قال الله -تعالى-: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
1- مقدمة وتمهيد:
- هو سليمان بن داود -عليهما السلام- من سبط يهوذا بن يعقوب، قال الله -تعالى-: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ (ص:30 ).
- وصفه الله بالقوة في العبادة كما وصف أباه، قال -تعالى-: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾.
- ورث سليمان داود في الملك والنبوة لا المال، قال -تعالى-: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾ (النمل:16 ).
- الأنبياء لا يورثون وإلا كان لداود تسعة عشر ولدًا -فيما يُروى عن أهل الكتاب-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ ) (متفق عليه ).
- الفرق بين داود وسليمان:
- بيان أن كلاهما مرسل: لكن كان داود -عليه السلام- عبدًا رسولاً، وكان سليمان -عليه السلام- ملكًا رسولاً.
- الفرق بين النبي والرسول: أن الرسول من أوحي إليه بشرع جديد، والنبي هو المبعوث لتقرير شرع من قبله.
- بيان ما يدل على التفريق بين النبي والرسول: حديث أبي ذر -رضي الله عنه- في عدة الرسل: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمِ الْمُرْسَلُونَ؟ قَالَ: (ثَلاَثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرً ). وَقَالَ مَرَّةً: (خَمْسَةَ عَشَرَ ) وفي رواية عن أبي أمامة قال: قال أبو ذر قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ وَفَّى عِدَّةُ الأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: (مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفاً الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ ثَلاَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِير ) (رواه أحمد، وصححه الألباني ).
- من الأنبياء من جمع الله له بين الملك والنبوة: أمثلة: "سليمان - يوسف" انظر كلام شيخ الإسلام في الهامش.
- بيان فضل العبد الرسول على النبي الملك: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ أَفَمَلَكاً نَبِيًّا يَجْعَلُكَ أَوْ عَبْداً رَسُولاً؟ قَالَ: جِبْرِيلُ تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ: (بَلْ عَبْداً رَسُول ) (رواه أحمد، وصححه الألباني )(1 ).
2- مظاهر نعمة الله على سليمان -عليه السلام-:
أ- الحكمة على حداثة سنه:
1- تحكيمه في قصة الغنم، قال -تعالى-: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ (الأنبياء:78 ).
- ذكر المفسرون: "أن زرعًا دخلت فيه غنم لقوم ليلاً فأكلته وأفسدته، فجاء المتخاصمون إلى داود -عليه السلام- وعنده سليمان، وقصوا عليه القصة، فحكم داود -عليه السلام- بالغنم لصاحب الزرع عوضًا عن حرثه الذي أتلفته الغنم ليلاً، فلما خرج الخصمان على سليمان وكان يجلس على الباب الذي يخرج منه الخصوم، وهو ابن إحدى عشرة سنة فقال: بم قضى بينكما نبي الله داود -عليه السلام-؟ فلما علم قال: انصرفا معي، فأتى أباه فقال: يا نبي الله إنك حكمت بكذا وكذا، وإني رأيت ما هو أرفق بالجميع، قال: وما هو؟ قال: ينبغي أن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث فينتفع بألبانها وسمونها وأصوافها، وتدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه، فإذا عاد الزرع إلى حاله التي أصابته الغنم في السنة المقبلة. رد كل واحد منهما ماله إلى صاحبه، فقال داود -عليه السلام-: وفقت يا بني لا يقطع الله فهمك، وقضى بما قضى به سليمان". قال معناه ابن مسعود ومجاهد وغيرهما.
فائدة: الحكم في هذه الواقعة في شرعنا:
- الحكم يختلف في شريعتنا بين الإتلاف بالنهار والليل فقد ثبت: "أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطاً فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَأَنَّ مَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا" رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني (2 ).
2- تحكيمه في قصة المرأتين:
- ففي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا. فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ أَنْتِ. وَقَالَتِ الأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ. فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا. فَقَالَتِ الصُّغْرَى لاَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا. فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى ).
ب- تسخير الريح لسليمان -عليه السلام-:
- قال -تعالى-: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ (سبأ:12 )، قال الحسن: "كان يغدو من دمشق فينزل بأصطخر فيتغذى، ويذهب رائحًا منها فيبيت بكابل"، وقال -تعالى-: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ﴾ (الأنبياء:81 ).
- وذكر ابن كثير -رحمه الله-: "أنه كان له بساط تحمله الريح فيه الدور المبنية والخيام والأمتعة، والخيول والجمال والرجال، وغير ذلك... ".
ت- تسخير الجن لسليمان -عليه السلام-:
- قال -تعالى-: ﴿وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ . يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾ (سبأ:12-13 )، وقال -تعالى-: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ (النمل:17 ).
- كان ذلك لسليمان -عليه السلام- وحده: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَليَّ الصَّلاَةَ، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ: رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) (متفق عليه ).
فائدة: حكم التماثيل والتصاوير في شريعتنا:
- حكم التماثيل التي كانت تصنع لسليمان -عليه السلام-: كان ذلك مما أبيح في شريعة سليمان الملك، أو أنه أبيح على صورة تخالف ما جاء به النهي في شريعتنا، وقال الله -تعالى-: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجً﴾ (المائدة:48 ).
- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ) (متفق عليه ).
- وعن ابن مسعود قال سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ ) (متفق عليه ). "تنبيه الخطيب على أن ذلك كان سبب انتشار الشرك في الأمم السابقة".
ث- أسال الله له عين القطر:
- قال -تعالى-: ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ (سبأ:12 )، وهو النحاس المذاب، كما ألان الحديد لوالده: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ (سبأ:10 )، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إنه النحاس"، وعين القطر كانت باليمن أنبعها الله له, فكان يأخذ منها ما يحتاج إليه للبنايات، وغيرها.
ج- تعليمه منطق الطير:
- قال -تعالى-: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ (النمل:16 ).
- قصة النملة: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ... ﴾ (النمل:17-18 ).
فوائد من القصة:
1- أدب النملة وحسن ظنها: ولم يدفعها الخوف إلى التهور والظلم في الحكم ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾؛ لتمييزها بين الأشرار والأبرار.
2- النهي عن قتل النمل: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَفِي أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَهْلَكْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ ) (متفق عليه )، وفي رواية: (فَهَلاَّ نَمْلَةً وَاحِدَةً ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 ) قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وحال العبد الرسول أكمل من حال النبي الملك، كما هو حال نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإنه كان عبدًا رسولاً مؤيدُا مطاعُا متبوعُا، وبذلك يكون له مثل أجر من تبعه، وينتفع به الخلق، فالعبد الرسول أفضل عند الله من النبي الملك، ولهذا كان أمر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم أفضل عند الله من داود وسليمان ويوسف -عليهم السلام-" اهـ.
(2 ) قال أبو عمر: "وهذا الحديث وإن كان مرسلاً، فهو حديث مشهور أرسله الأئمة وحدث به الثقات، واستعمله فقهاء الحجاز وتلقوه بالقبول، وجرى في المدينة العمل به، وحسبك باستعمال أهل المدينة وسائر أهل الحجاز لهذا الحديث" اهـ.
المصدر
موقع طريق القرآن