"لفظ المرأة و لفظ الزوج"
"وأما الأزواج فجمع زوج وقد يقال زوجة والأول أفصح وبها جاء القرآن قال تعالى "يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة "البقرة 35
وقال تعالى في حق زكريا عليه السلام "وأصلحنا له زوجه" الأنبياء 90
ومن الثاني قول ابن عباس رضي الله عنهما في عائشة رضي الله عنها إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة وقال الفرزدق وإن الذي يبغي ليفسد زوجتي ... كساع إلى أسد الشرى يستبيلها وقد يجمع على زوجات وهذا إنما هو جمع زوجة وإلا فجمع زوج أزواج قال تعالى "هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون "يس 56وقال تعالى "أنتم وأزواجكم تحبرون" الزخرف 70
وقد وقع في القرآن الإخبار عن أهل الإيمان بلفظ الزوج مفردا وجمعا كما تقدم وقال تعالى" النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم "الأحزاب 6 وقال تعالى "يا أيها النبي قل لأزواجك" الأحزاب 59 والإخبار عن أهل الشرك بلفظ المرأة قال تعالى "تبت يدا أبي لهب" إلى قوله "وامرأته حمالة الحطب" المسد 1 4 وقال تعالى "ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط" التحريم 10
فلما كانتا مشركتين أوقع عليهما اسم المرأة وقال في فرعون" وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون "التحريم 11
لما كان هو المشرك وهي مؤمنة لم يسمها زوجا له وقال في حق آدم" اسكن أنت وزوجك الجنة" وقال للنبي "إنا أحللنا لك أزواجك" الأحزاب
50 وقال في حق المؤمنين "ولهم فيها أزواج مطهرة" البقرة 25 فقالت طائفة منهم السهيلي وغيره إنما لم يقل في حق هؤلاء الأزواج لأنهن لسن بأزواج لرجالهم في الآخرة ولأن التزويج حلية شرعية وهو من أمر الدين فجرد الكافرة منه كما جرد منها امرأة نوح وامرأة لوط ثم أورد السهيلي على نفسه قول زكريا عليه السلام "وكانت امرأتي عاقرا" مريم 5
وقوله تعالى عن إبراهيم "فأقبلت امرأته في صرة "الذاريات 29
وأجاب بأن ذكر المرأة أليق في هذه المواضع لأنه في سياق ذكر الحمل والولادة فذكر المرأة أولى به لأن الصفة التي هي الأنوثة هي المقتضية للحمل والوضع لا من حيث كانت زوجا قلت ولو قيل إن السر في ذكر المؤمنين ونسائهم بلفظ الأزواج أن هذا اللفظ مشعر بالمشاكلة والمجانسة والاقتران كما هو المفهوم من لفظه فإن الزوجين هما الشيئان المتشابهان المتشاكلان أو المتساويان ومنه قوله تعالى "احشروا الذين ظلموا وأزواجهم" الصافات 22
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أزواجهم أشباههم ونظراؤهم وقاله الإمام أحمد أيضا ومنه قوله تعالى "وإذا النفوس زوجت" التكوير 7 أي قرن بين كل شكل وشكله في النعيم والعذاب قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذه الآية الصالح مع الصالح في الجنة والفاجر مع الفاجر في النار وقاله الحسن وقتادة والأكثرون وقيل زوجت أنفس المؤمنين بالحور العين وأنفس الكافرين بالشياطين وهو راجع إلى القول الأول قال تعالى "ثمانية أزواج" الأنعام 143 ثم فسرها "من الضأن اثنين ومن المعز اثنين" "ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين" الأنعام 143 144 فجعل الزوجين هما الفردان من نوع واحد ومنه قولهم زوجا خف وزوجا حمام ونحوه ولا ريب أن الله سبحانه وتعالى قطع المشابهة والمشاكلة بين الكافر والمؤمن قال تعالى "لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة "الحشر 20 وقال تعالى في حق مؤمني أهل الكتاب وكافرهم" ليسوا سواء من أهل الكتاب" الآية آل عمران 113 وقطع المقارنة سبحانه بينهما في أحكام الدنيا فلا يتوارثان ولا يتناكحان ولا يتولى أحدهما صاحبه فكما انقطعت الوصلة بينهما في المعنى انقطعت في الاسم فأضاف فيها المرأة بلفظ الأنوثة المجرد دون لفظ المشاكلة والمشابهة وتأمل هذا المعنى تجده أشد مطابقة لألفاظ القرآن ومعانيه ولهذا وقع على المسلمة امرأة الكافر وعلى الكافرة امرأة المؤمن لفظ المرأة دون الزوجة تحقيقا لهذا المعنى والله أعلم وهذا أولى من قول من قال إنما سمى صاحبة أبي لهب امرأته ولم يقل لها زوجته لأن أنكحة الكفار لا يثبت لها حكم الصحة بخلاف أنكحة أهل الإسلام فإن هذا باطل بإطلاقه اسم المرأة على امرأة نوح وامرأة لوط مع صحة ذلك النكاح وتأمل في هذا المعنى في آية المواريث وتعليقه سبحانه التوارث بلفظ الزوجة دون المرأة كما في قوله تعالى "ولكم نصف ما ترك أزواجكم" النساء 12 إيذانا بأن هذا التوارث إنما وقع بالزوجية المقتضية للتشاكل والتناسب والمؤمن والكافر لا تشاكل بينهما ولا تناسب فلا يقع بينهما التوارث وأسرار مفردات القرآن ومركباته فوق عقول العالمين
" من كتاب جلاءالأفهام""