والصلاة و السلام على سيدنا و نبينا و حبيبنا و شفيعنا و إمامنا و مولانا محمد عليه أزكى الصلاة و أبهى السلام
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
أما بعد
في هذه الحلقة من برنامج أسرار الأعماق، سنأخذكم في رحلة في أعماق مياه المحيط قرب إستراليا، وسنبحر فوق منطقة كود هيل الشهيرة التي سنشاهد سمك الأنقليس العملاق المعروف بموراي، وأيضاً سمك البروز ذا الزعانف الشائكة، وسنغوص في مواقع جميلة قرب سلسلة الصخور الضخمة الشهيرة، وسنشاهد بعضاً من ألوان الحياة البرية في إستراليا، وفي النهاية سنزور المياه الجنوبية لنتعرف عن قرب على سمك القرش الأبيض، وسنشاهد السمك العملاق المعروف باسم ذئب البحر، والذي تزن السمكة الواحدة منه نحو مائة كيلو جرام.
ستكون وجهتنا إستراليا التي يعيش فيها سبعة عشر مليون نسمة وتبلغ مساحتها نحو ثلاثة ملايين ميل مربع، تقع إستراليا في الجزء الجنوبي للكرة الأرضية بين المحيطين الهادي والهندي، وتبعد حوالي ستة آلاف ميل عن أمريكا الشمالية، ولوقوعها تحت خط الاستواء تعرف باسم الأرض الواطئة، كما أن عزلتها عن باقي العالم ساعدت في جعلها مكاناً مناسباً لتطور الحياتين الزراعية والحيوانية فيها، لم يأتِ الأوروبيون إلى إستراليا حتى القرن الثامن عشر حيث كان يعيش فيها سكانها الأصليون منذ أكثر من أربعين ألف سنة، ولا يزال هؤلاء السكان يحافظون على أسلوب حياتهم التقليدية خاصة فيما يتعلق بالصيد.
يغلب على إستراليا الجفاف حيث يعيش السكان في مناطق محدودة، كما أن هطول الأمطار يتركز في المناطق الساحلية، وتعتبر إستراليا أكبر مصدر للصوف ولحم الضأن في العالم إضافة إلى تصدير القمح، كما تمتاز بثروتها الطبيعية واقتصادها الصناعي القوي.
تتناثر المدن الجميلة على الساحل، حيث تعتبر سيدني أشهرها بمبنى الأوبرا الذي يعتبر أهم معالمها، وهناك الطبيعة الجميلة التي تحتضن الطيور والزواحف والحيوانات الثديية التي تعيش في عزلة تامة، وتعتبر سلسلة الصخور العملاقة من أهم معالم إستراليا، حيث تمتد على طول ساحل منطقة كوينزلاند لأكثر من ألف ومائتي ميل، وتضم أكثر من ثلاثة آلاف سلسلة صخرية صغيرة وسبعين جزيرة مرجانية، وتعتبر سلسلة الصخور وما حولها من أجمل المناطق الطبيعية في العالم، كما أنها العلامة الوحيدة على الأرض التي لا يمكن لرواد الفضاء خلال رحلاتهم مشاهدتها بسهولة، إنها لوحات فنية أبدعها الخالق، وتضم المياه الإسترالية أكثر من أربعمائة نوع من المرجان الصلب والرخو، والتي تحتضن ايضاً نحو ألف وخمسمائة نوع من الأسماك وأربعة آلاف نوع من الرخويات.
تقع السلاسل الجبلية الخارجية على مسافة تمتد ما بين خمسة عشر إلى مائتي ميل من الساحل، وتضم عناصر جذب رائعة، وربما لا يوجد في العالم مناطق تضاهي هذه الأماكن جمالأ وجذابية وملائمة للغوص، وتعتبر هذه السلسلة من السلاسل المرجانية من أفضل الأماكن التي تستهوي الغواصين.
لقد سافرنا هناك على متن سفينة متخصصة في عمليات الغوص، هذا اليخت المثير للإعجاب هو أحد عناصر أسطول محلات الغوص، وهذه السفينة هي إحدى السفن التي تشق طريقها لاكتشاف أسرار السلسلة الصخرية المثيرة للإعجاب، وبسبب ابتعاده عن الشاطئ، فإنه يمكن الوصول إلى السلسلة الصخرية على متن زورق أو سفينة صغيرة.
بدأنا رحلتنا اليوم مع طيران منخفض الارتفاع فوق السلسلة الصخرية، يمكنك فقط عن طريق الجو أن تقدر حجم هذه السلسلة الكبيرة من المرجان، استغرقت رحلتنا مائة وخمسين ميلاً إلى الشمال من السلسلة الصخرية وحتى جزر " ليزرت ".
من هنا انطلقت سفينتنا في مغامرة غوص لم يسبق لها مثيل، كانت وجهتنا الأولى منطقة " كود هول " الشهيرة، ومنذ سنوات عديدة لاحظ صيادو الأسماك مجموعة أسماك ذئب البحر التي تأتي عادة لتتغذى على بقايا الأسماك المتناثرة، اليوم أصبحت هذه المنطقة الصغيرة مأوى للعديد من أسماك " الأنقليس والليبروس " ومثل الكثير من مناطق الأسماك النادرة فإن كود هول تبقى أحد أفضل مناطق جذب الغواصين، حيث تشاهد بسهولة فيها أسماك الأنقليس، هذه الأسماك لا تعض عادة، لكنها تستخدم قوة المص لديها في امتصاص طعامها، وعلى الشاطئ والحواف الصخرية تستلقي أسماك ذئب البحر بلا حراك في انتظار مرور الأسماك الصغيرة لتهجم عليها.
وعندما تكون هنالك قوارب إضافية في المكان يثب السمك متراجعاً محاولاً الهرب، لقد وجدنا محطة تنظيف بين الرءوس المرجانية، حيث تقوم أسماك الليبروس بالتقاط الطفيليات البحرية، وهناك علاقة أخرى تظهر هنا حيث يقوم سمك " اللشك " باقتفاء أثر الضيوف العملاقة ويتغذى على ما يتبقى من مخلفاتها من طفيليات، بعد توقف قصير دخلنا المياه للتغذية الطبيعية، فقد تجمع الغواصون حول مصاطب اسمنتية كانت تبدو وكأنها موائد للغذاء، ولم يمضِ وقت طويل قبل أن يظهر السمك، وكان ذلك يعني بدء الغذاء.
حظيت منـطقة " كود هول " بالحماية كمتنزه وطني حيث تعتبر كحديقة حيوان بحرية، وأصبحت الآن أشهر مناطق الغوص، أصبح الغوص هنا أحد مناطق الإثارة والجذب في هذا المكان الموحش، إنه مكان أشبه بالسيرك، وعندما يبدأ السمك الكبير غذاءه يكون من السهل معرفة أسباب شهرة هذا المكان الفريد في جاذبيته وجماله.
يأتي أيضاً سمك الليبروس ليأخذ نصيبه من الطعام، حيث يعمد ألاَّ يبتعد عن مأدبة الطعام، ويقوم قائد الغواصين بجذب السمك ليسبح حول ساقيه، يمتاز بعض هذا السمك بالفضول حيث ينتظر أن تلقي إليه بالفتات، إلا أن سمكة الأنقليس مثلئلا تحب أحياناً أن يسرق أحد وجباتها.
يبدو أن هذا المكان يحف بالمخاطر والإثارة، فالغوص قد يعني أحياناً اللاعودة، وتنمو أسماك الأنقليس ليصل طولها إلى حوالي اثني عشر قدماً.
موقع غوصنا القادم سيكون منطقة شهيرة أخرى تدعى " بيكس بيناكل " والتي تمتاز بأن التركيب المرجاني يرتفع عن عمق المحيط بنحو مائة وخمسين قدماً، تعيش الأسماك الكبيرة والصغيرة هنا معاً، حيث تسبح الأسماك المرجانية الصغيرة في منطقة بيناكل كأنها فراشات، أما السمك الكبير مثل البراكودا فيسبح عادة في المنطقة الخارجية لبيناكل، ويمكن للغواصين السباحة حول منطقة بيناكل خلال دقائق قليلة، مع ذلك فإن هناك العديد من الأشياء التي يمكن رؤيتها خلال القيام بالغوص في نفس الموقع عدة مرات.
هناك سمك " الأنتيا الصغير " الذي يمتاز بألوانه الزاهية، والذي يتواجد في المياه القريبة من السلاسل الصخرية، كما يطلق عليه اسم السمك الذهبي، ويعرف هذا السمك من فقعاته الهوائية ذات الألوان البرتقالية والأرجوانية والزرقاء، يتكون قطيع أسماك الأنتيا من الإناث والصغار وأحياناً من الذكور الصغيرة في السن، يضم هذا المكان مجموعات ذات ألوان جميلة ومختلفة، ولوفرة الغذاء فإن المرجان ينمو كباقي الأعشاب