في نفس كل انسان منا يكمن اثر من خرافات او اساطير. فاذا صاح طائر الوقواق اسرعنا الى البورصة لان ممتلكاتنا ستزيد، ورؤية العنكبوت في الصباح فأل سيء، فهي لا تجلب سوى الهم والغم. ورؤيتها في المساء تنعش وتبهج ومن منا لا يشعر بالضيق اذا ما اعترضت طريقه قطة سوداء؟
وكانت القطة في الشرق منذ القدم ميمونة جالبة للسعد.
حتى ان الالهة المصرية القديمة (ايزنس) تعتمر رأس قطة. وكانت القطة مقدسة، حتى وجد بين الفراعنة من اسمها (بوسي). اسطورة الحياة الطويلة: هذا الحيوان يعيش تسع حيوات متتالية.. وقد اعترى الناس في اوروبا قبل بضعة قرون خوف شديد من قدرة السحرة على التحول الى قطط سوداء.
وقد اختلطت في الاساطير الشعبية عبر الاف السنين تقاليد وخرافات وحكايات تتحدث عن قدرة الحيوان على الكلام وقدرته ايضا على ان ينذر ويحذر ويهدي ويتقمص ويتحول.
ويزعم البعض وخصوصا أهالي (اوبرها البشتاينر) ان الضفادع تتقمصها (الارواح المسكينة) وهي تنهض في حضرة القديسين وتشبك اصابعها. وهنا يبرز الشيطان في صورة ضفدعة. فهي تعد في الاساطير والخرافات حيوانا مسحوراً.
وقوى السحر الخفية تنسب الى الثعلب ايضا. ففي الصين مثلا يعتقد الناس ان الثعلب اذا ما عاش مائة سنة فان بوسعه ان يتحول الى أية صورة يشاء، واذا ما بلغ الالف سنة اصبح كائنا شيطانيا. ويتحدث الناس في اليابان عن عدد من الفرسان نجحوا مرة في القضاء على ثعلب عجوز بعد ان دخل البلاط الامبراطوري على هيئة امرأة واحدث فيه ضرراً كبيراً. وعندما تمكنوا من قتله اكتشفوا في بطنه اناء مليئا برماد بوذا.
ووصفت الايدا Edda (ديوان شعر اسطوري، اساطيره المانية ذات جذور ايسلندية) الحصان بصديق الانسان وثقة الالهة. وقد اطلق عليه ايضا الملك داريوس الاول ملك الفرس، لقب المقدس لانه يقف في اعلى المراتب. وفي العبادة الجرمانية القديمة تتزين سقوف المنازل برؤوس الاحصنة للوقاية من السحر. وفي العصر المسيحي كثيرا ما يظهر الساحر على هيئة حصان. ولا يجوز اكل لحم الخيول لانها كانت في الماضي من الحيوانات التي تنحر كأضاحٍ للالهة الوثنية. وفي وديان جبال الالب يسور الناس البيوت بجماجم الخيول لكي لا تسري اليها الامراض.
ان الاعتقاد بالسحر الذي شغل اوروبا طيلة عصر كامل لم يسلم من الحيوان ايضا، ففي وديان جبال الالب يظهر السحرة.
على صور دببة وذئاب وظباء ونعاج ـ وكذلك ايضا على جعلان او نمل، ان أنسنة الحيوان في العصور الوسطى ساهمت في وضع العديد من الاساطير: (اذا نطح ثور امرأة او رجلا ومات من جراء ذلك فإن على المرء ان يرجم الثور بالحجارة ولا يجوز له اكل لحمه). هكذا قيل في التوراة.
هذا المفهوم انتقل في القرن الثالث عشر الى القضاء، فاصدرت المحاكم المدنية عقوبات صارمة على الحيوانات. ذكر منها ان احد الجلادين بمدينة بازل قد نفذ حكم الاعدام سنة 1476 بأحد الديكة لانه ـ كما زعم ـ وضع بيضة! ويقضي القانون الوارتلندي Wardtland من جهة اخرى بانزال عقوبة الموت بكل من يقتل لقلقا.. بقايا تصورات عن اللقلق باعتباره انسانا مسحوراً!!
ونكاد نستغرب اليوم من المحاكمات التي كانت تجرى في المحاكم الكنسية ضد الفئران والجرذان والقنافذ والافاعي والسلاحف وغيرها من الحيوانات والحشرات الدنيا. وفي مدينة (كور) مثلت الجعلان ثلاث مرات امام القضاء. واخيرا تقدم المحامي الموكل عنها الى المحكمة باحتجاج قال فيه: ان الجعلان من مخلوقات الله ايضا ومن حقها ان تأكل بشهية! وقد استخدمت المحكمة الكنسية الرأفة واكتفت بابعاد الجعلان الى منطقة قليلة السكان.
وفي العصور الوسطى اعتبر قلب ودم الحمام والعصافير والسنونو والارانب والديكة والوعول في اوقات تعشيرها (سحر محبة) ولزيادة الشبق الجنسي يطبخ صدف الحلزون في ماء مالح. ويساعد قلب الغراب على استعادة الفحولة المفقودة بعد ان يعلقه الرجل في رقبته. اما التجاعيد القبيحة التي تحيط بعيون النساء المسنات فتعالج بدهان يستخلص من كبد الحوت ويخلط بعيون السرطان.
مثل هذه العلاجات مازالت توصف حتى اليوم في الاوساط الشعبية.. ومن هذه الوصفات هناك مثلا وصفة لتخفيض حدة الحمى. تتحقق نتائجها اذا ما عمد المرء الى ثقب اذن قطة وترك الدم يقطر على قطعة من الخبز يأكلها المصاب ليبرأ.
والاطفال الصغار الرضع تظهر اسنانهم بيسر عندما تعلق حول رقابهم فئران على قيدة الحياة. والارنب الهندي في السرير يخفف من الام الروماتيزم. والمصاب بمرض السرطان يستحسن له ان يعلق في رقبته سلحفاة حية ويتركها حتى تموت..
خرافة على حساب الحيوان
في سنة 1710 نصح لرجل ان يحمل اظافر الحرباء ليتقي بها سهام العيون الشريرة. واذا ارادت امرأة حبلى ان تضع وليدها بسهولة ويسر، فما عليها الا ان تلعق بسرعة مسحوق القنفذ.. مثل هذا الهراء نجده كذلك في اخبار سنة 1866.
فللشفاء من آلام الاطفال تتبع الطريقة التالية: ينتف ريش حمامة حية، وتضغط على بطن الطفل وبذلك تنتاب الحمامة غيبوبة يعقبها الموت، غير ان الالم يختفي ايضا، والمصابون بالحمى عليهم ان يأكلوا لحم الغزال والافضل ان يأكلوا قلوب ثلاث سمكات من اسماك الكركي، مجمدة في الثلج لمدة نصف ساعة.
لقد كانت الاساطير الشعبية التي تتخذ من الحيوان عقارا طبيا شافيا سببا في انقراض العديد من انواع الحيوانات، وان كانت هواية صيد الحيوانات البرية لا تقل عنها سوءا.
ومن النماذج الماثلة: الماعز الجبلي الذي كاد ينقرض تماما في جبال الالب قبل عقود قليلة. فقد اعتبره الناس هناك صيدلية متنقلة. فقرونه ـ بعد ان تدق وتسحق ـ تساعد على التخلص من المغص المعوي وحالات التسمم. امام دماؤها ففيها الشفاء من حصى المرارة والنقرس والسل الرئوي والضعف الجنسي. وخصلات شعر بطنها تعتبر كل العقاقير الطبية المضادة للغيبوبة والزحار والطاعون والسرطان، وكذلك ضد الانقباض النفسي.
واذا كانت حيوانات جبال الالب قد سلمت اليوم من المجازر التي اعدها لها الطب الشعبي غير المنطقي، فان الفضل في ذلك يعود لنصير الطبيعة (اميل بيخلر) الذي وجدت فرضيته عن قرب انقراض عالم الحيوان بفعل الغباء الانساني صدى واسعا وتطبيقا في كل مكان: في البلاد الاسكندنافية تعرضت الوعول لخطر الانقراض بسبب الاساطير. وفي الهند صار يباع قرن وحيد القرن (الكركدن) بما يوزاي وزنه ذهباً.
وفي الكونغو يطارد اقزام الاتوري دونما رحمة حيوان الاوكابي Okapi وفي اميركا الجنوبية يتعرض حيوان اللاما البري الى خطر الانقراض