عرف النشاط الحرفي بجميع أنحاء شمال افريقيا درجة كبيرة من التقدم في عهد الفنيقيين الذين امتزجوا بالأمازيغ الأوائل، وأقاموا حضارة قوية لمدة زمنية طويلة ازدهرت فيها الصناعات المرتبطة أساسا بالعمران كالزليج والنجارة والحدادة والرخاميات والنحاسيات والفضيات وصناعة العجلات الحجرية ثم الخشبية ووسائل الصيد والنقل.
وفي العهد القرطاجي تطورنمط عيش المغاربة الأوائل بشكل كبير، فقد شغلت التجارة معظم النشاط الاقتصادي حيث كان المغاربة يجلبون الرخام والصدف والنحاس والكتان والقطن والمعادن والخشب الممتاز والأحجار الكريمة والعاج والعطور من الجزر الإغريقية ومصر ومن إسبانيا والهند ومن شبه جزيرة العرب، وكانوا يصدرون المنسوجات والأواني الزجاجية والمعادن الثمينة.
كما عرفت الصناعة التقليدية نشاطا متميزا في العهد الروماني الذي ازدهرت فيه صناعة السواقي والنواعير والمطفيات، وتعددت مصانع صهر الحديد وطرقه، ودبغ الجلود، وصناعة القناديل، ونسج الملابس، وصنع الأثاث... وغير ذلك من لوازم الحياة التقليدية وكمالياتها.
وبعد الفتح الإسلامي عرفت بلاد المغرب حضارة وثقافة جديدة، وظهرت صناعات يدوية متطورة، وتطورت أخرى كصناعة النقود مثلا، حيث ضربت الدراهم الأولى باسم إدريس الثاني (181 للهجرة). ومن الناحية العمرانية نشطت حرف تقليدية مرتبطة بهذا الميدان كالنجارة والحدادة والنقش على الحجر والجبص، والزليج والزجاج، وصناعة الرخام.
وتطورت الحرف والفنون التقليدية في عهد المرابطين وفي عهد الموحدين، إذ عرف المغرب حركة عمرانية ونهضة حرفية، وبلغ مرحلة من الازدهار الحرفي على عهد بني مرين، تلتها مرحلة اضمحلال وتدهور في عهد الدولة الوطاسية، غير أنه بتولي المولى أحمد المنصور الذهبي السعدي الحكم (1576م) عمد إلى تنشيط الناحية التجارية لدى سكان البادية وتشجيعهم على أعمال البيع والشراء، وإنعاش الصناعات التقليدية القروية حيث تم إحداث ما سمي بالقرى الصناعية في البادية لأول مرة في تاريخ المغرب.
وكان للوافدين من الأندلس الى المغرب الأفصى تأثير إيجابي على الصناعة التقليدية، إذ استنبطوا المياه وأحدثوا الأرحية الطاحنة بالماء، وعلموا أهل البادية أشياء لم يكونوا يعلمونها.
و تضررت الحرف التقليدية بدخول المغرب في عهد الحماية (1912-1956) نتيجة فقدان المجتمع المغربي لذلك التوازن المتواصل قبل هذه المرحلة بين مدنه وبواديه، فقد سهل نظام الحماية تغلغل نمط الإنتاج الرأسمالي ببنياته الصناعية ومؤسساته التجارية وبضائعه المتنوعة، الأمرالذي انعكس سلبا على الحرف بشكل تدريجي جراء المنافسة غير المتكافئة للتجارة الأوروبية.